مؤتمرات الأندية الرياضية السنوية أبلغت رسائل العجز إلى من يهمه الأمر… والحلول في علم الغيب
البعث الأسبوعية – رياضة – ناصر النجار:
تستمر المؤتمرات السنوية للاتحاد الرياضي العام في الانعقاد حسب الجداول والمواعيد المقررة، وتختلف صورة هذه المؤتمرات عن صورتها في السابق من ناحية ضغط المواعيد وزحمة المؤتمرات، ما جعل بعضها شكلياً لا لون ولا طعم له، ولم تحقق هذه المؤتمرات الفائدة المرجوة منها، وكأنها أقيمت لرفع العتب ودرء المساءلة القانونية لكونها ركيزة العمل الرياضي كما أقرتها القوانين والمراسيم التشريعية فتجاهل هذه المؤتمرات كخطة عمل موسمية يعني التعدي الصارخ على الأسس الناظمة لمنظمة الاتحاد الرياضي العام.
والأفكار هنا متزاحمة والصور التي ظهرت بها المؤتمرات مختلفة ما بين الزاهية والباهتة وعديمة الشكل واللون، والاهتمام أيضاً متفاوت ما بين ناد وأخر كل حسب موقعه وحجمه وربما دعمه ونفوذ القائمين عليه.
على صعيد الأندية (على سبيل المثال) سلط الضوء فيها على الكبير منها قبل الصغير فقط، لتكون الصورة الزاهية الملتقطة للانتخابات على أنها دليل على التطبيق المثالي لعقد هذه المؤتمرات ويمكن الحديث في هذا الشأن عن عشرة مؤتمرات لا أكثر ولا أقل.
وإذا أحصينا عدد الأندية الفاعلة فقط لوجدنا أن نسبة المؤتمرات الحقيقية التي عقدت لا تتجاوز العشرة بالمئة، ناهيك عن عشرات الأندية المنتسبة للمنظمة الرياضية والتي هي حبر على ورق وجوداً وشكلاً ومضموناً.
على الصعيد التنظيمي فإن الكثير من مؤتمرات الأندية كانت فاقدة للشرعية باعتبارها لم تحقق النصاب القانوني، وبعض المؤتمرات للأسف غاب عنها أعضاء في مجلس الإدارة وهنا اللوم على الأندية ولا يتحمل المسؤولية في هذا التقصير أي جهة أخرى سواء القيادة الرياضية أو اللجان التنفيذية، وإذا كانت إدارات الأندية في موسم رياضي واحد لا تستطيع جمع منتسبيها في مؤتمر هو الأهم في كل موسم لأنه يستعرض موسم انقضى ويقرر مصير موسم قادم فهذا يرسم الكثير من إشارات الاستفهام.
ولأننا ومن باب المقارنة نجد أن الزحمة قائمة على المؤتمرات الانتخابية بعكس هذه المؤتمرات، لأن الانتخابات مطلب شخصي فيتم التركيز عليها والتأكيد على حضورها ومتابعة ذلك بشكل يومي، بعكس المؤتمرات السنوية التي قد لا يتم الإعلان عنها بشكل مسبق ولا تولى الأهمية المطلوبة، لذلك جاء أغلبها باهتاً فاقد الغاية والهدف.
وعلى ما يبدو أن لجوء بعض الإدارات إلى مثل هذا التعتيم مرده تجاوز (وجع الرأس) من زحمة الشكاوى والطلبات والاعتراضات، ما يؤكد هروب هذه الأندية من مواجهة حقائق عديدة ومطالب محقة تستوجب المعالجة وهي بالأصل لا تريد سماعها وتفضل إغلاق متل هذه الأبواب، وربما العذر في ذلك عدم قدرتها على إيجاد الحلول لكل هذه العثرات أو عدم رغبتها بالحل.
الصور التي نشرتها الأندية الرسمية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى ما يدعم هذه الفكرة، وللأسف فإن حضور بعض المؤتمرات اقتصر على أشخاص قلة قد يكونوا المكون الرئيسي للنادي من موظفين وكوادر مرتبطة بالإدارة.
بل إن بعض الأندية التي تملك المساحات الواسعة والمنشآت الكبيرة والاستثمارات الكثيرة كان حضور المسؤولين والوافدين والضيوف أكبر بكثير عدداً من أعضاء المؤتمر الأصلاء!
أما الأندية البعيدة عن العين والقلب فاقتصر الحضور فيها على عدد قليل جداً ربما كان أغلبهم القيمون على النادي!
المداخلات المعتادة
كل المؤتمرات فتحت الباب واسعاً أمام الحضور للحديث عن المعوقات والعثرات دون أي تقييد أو (كم أفواه) في عملية إيجابية تحسب لمصلحة هذه المؤتمرات وتفاوتت هذه المداخلات من ناد لأخر حسب مكانة النادي وموقعه ومستواه الرياضي والانشائي والاستثماري وعدد الألعاب وعدد المنتسبين إليه.
ولم تختلف المداخلات الجديدة عما سمعناه في المؤتمرات السابقة، بل كانت أكثر جدية وبصوت أوضح ونبرة أعلى، والسبب في ذلك أن كل الطلبات والشكاوى لم تصل إلى الحل المطلوب، وليس الحل دائماً مرتبط بقرار من إدارات الأندية إنما مرتبط بقوانين وضعية تستوجب الحل من خلال التطوير والتحديث.
والعنوان الأبرز للمداخلات في كل بقعة من بقاع الجغرافية الرياضية هو الحالة المعيشية الصعبة التي يعيشها الرياضيون في كنف أنديتهم وملاعبهم وتمارينهم، وهنا نستثني من هذه المعادلة المحترفون بكرتي القدم والسلة وهم قلة قياساً على الرياضيين بشكل عام لدرجة أن الكثير من اللاعبين والكوادر قالوا لا نملك أجرة مواصلات لحضور التمارين بانتظام أو إن رواتبنا لا تغطي هذا المصروف وحده.
حتى في اللعبتين المحترفتين فإن (بحبوبة) المال موجودة بمن نال العقود، وأغلبهم يتبع لفرق الرجال أما بقية الفئات فكل أبواب الرفاهية مؤصدة أمامهم حتى يبلغوا سن الاحتراف ومتطلباته وشروطه.
قد لا تكون طلبات الرياضيين تعجز الإدارات وتفلس الصناديق المغلقة، وهي بالأصل لا تدور في فلك الطمع وبلوغ الغنى، فلا يطلب الرياضيون ما يبلغوا به حد الثراء، ولا حد الكفاية، إنما يطلبوا ما يسد الرمق ويعين على شظف العيش.
وعلى سبيل المثال مازال أذن السفر العائق المالي الأكبر للرياضة وليس للرياضيين فقط وكما نعلم أن عدم وصول هذا (الإذن) إلى حد الكفاية أوقف النشاط الرياضي وعطل الكثير من البطولات الفرعية والمركزية لدرجة أن القيادة الرياضية طالبت صراحة ب(ريجيم) البطولات أكثر من مرة، فالرياضي القادم من اللاذقية وحلب ودير الزور قد لا يجد المؤنة المالية التي تساعده على تغطية مشاركته لمدة يومين في بطولة مركزية تقام في دمشق، والعكس صحيح إذا أقيمت هذه البطولات في حلب أو اللاذقية فإذن السفر لم يعد يكفي المواصلات، والمثال هذا وحيد، ولن ندخل في متاهات العقود والأجور والرواتب والمكافآت لأن هذا الطرح يدمي القلب.
العنوان الثاني المهم في المداخلات ما يتعلق بالتجهيزات والمستلزمات وقد أصبحت مشكلة حقيقية لأن الرياضي المنتسب إلى الأندية والذي يشارك في البطولات المركزية عليه تأمين الكثير من لباسه الرياضي أو بعضه، فالتجهيزات الرياضية إما أن تكون ناقصة، أو أن تكون من النوع الرديء القابلة للاهتراء بعد تمارين قليلة، وهنا على الرياضي أن يتدبر أمره وأن يعوض نواقصه وما يهترئ منها من مصروفه الخاص.
أما المستلزمات الخاصة بالتمارين والتدريب فهي مختصرة جداً ولا تلبي الحاجة ولا تساعد على التطوير والنهوض بالألعاب، ونجد هذه النواقص موجودة في قفازات الملاكمة وبساط المصارعة وريش الكرات الطائرة، وكرات التدريب ودراجات الرياضة الميكانيكية وما يلزمها من صيانة ورقعة شطرنج وطاولة لكرة الطاولة أو البلياردو وغيرها الكثير التي تلزم الألعاب الشهيرة التي نحن متفوقون بها بالأصل ولدينا قواعد كثيرة ومواهب واعدة، وبعيداً عن الألعاب المحدثة الجديدة التي لا تلزمنا في مثل هذه الظروف فإن ألعابنا الرئيسية هي التي تحتاج للدعم والاهتمام أكثر.
العنوان الثالث وهو مكرر عن كل المواسم السابقة عبر العقود المتتالية من عمر رياضتنا وهو متعلق بالمنشآت الرياضية من ملاعب وصالات ومدى جاهزيتها وإمكانية حجز تمارين لكل الفرق بحيث تكون المواعيد كافية وملبية خصوصاً أن أنديتنا لا تملك كل المنشآت لتكون التمارين ذاتية فالضرورة هنا تقتضي أن يمارس النادي الألعاب التي يملك لها منشآت وهو أفضل من الزحمة على المنشآت المركزية لممارسة هذه التدريبات.
معضلة الزحمة والبحث عن موعد وحجز لم تجد حتى الآن طريقها للحل رغم مرور السنوات الطويلة وذلك بسبب الانتشار الخاطئ للرياضة في الأندية وهو انتشار غير مدروس عملياً من كل الجوانب بسبب عدم تخصيص الأندية بالألعاب الرياضية لتتناسب هذه الألعاب مع إمكانيات النادي ومقوماته أولاً ومع الإمكانيات الفنية والإنشائية في المنطقة المحيطة، لذلك فإننا شعرنا أن الغاية هي بسط نفوذ الألعاب الرياضية على الأندية بشكل عشوائي لتصبح معلقة على (حبال الهواء) دون أن تكون هذه الخطوة فاعلة لأن أغلب الأندية أهملت هذه الألعاب لعدم قدرتها على الصرف وتأمين مستلزماتها وربما هربت كوادرها من الفقر أو هاجرت وزادت الحاجة إلى مكان التمرين لتصبح الكثير من الألعاب في عالم النسيان.
في هذه العجالة اقتصرنا على العناوين المهمة التي وردت في أغلب مداخلات المؤتمرات ولم نخض في المشكلات العسيرة الأخرى والجزئيات التي تؤرق مضاجع الرياضيين وتعترض مسيرة التطور الرياضي.
نحن هنا
بمثل هذه الصورة الواضحة وضوح الشمس نتساءل: كيف لرياضتنا أن تتطور؟ وكيف للمواهب والخامات أن تنمو في مثل هذه الظروف الصعبة دون أن نوفر لها ما يؤهلها لتكون مشروع بطل ننتظر منه إعلاء اسم الرياضة السورية ورفع العلم الوطني عالياً في سماء البطولات العالمية والدولية والإقليمية والعربية أم إننا سنبقى ننتظر الطفرات لنعيش على إنجازاتها ولنداري عجزنا وتقصيرنا وإفلاسنا الرياضي.
وما حاجنا إلى مثل هذا الكلام هو الردود على المداخلات من اللجان التنفيذية التي سارت عكس الرياح وكأنها تتدارى خلف إصبعها دون أن يكون عندها الجواب المقنع أو الحل الأمثل لمجمل الهموم الرياضية المعروضة على بساط هذه المؤتمرات، وما يؤكد لنا عجزها التام أن المؤتمر كان بمكان والجواب بمكان آخر، فحاول البعض خلط الأوراق من خلال تحميل الرياضيين أنفسهم مسؤولية التقصير من خلال تراجع المشاركات أو تراجع الأرقام وتدني المستوى وعدم ولادة أبطال جدد ومواهب خلاقة واختفاء بعض الألعاب الرياضية بعد أن هجرها لاعبوها وهكذا من حديث لا يمت إلى الواقع بصلة، والمشهد الطريف في بعض المؤتمرات أن الرياضيين صاروا ينظرون إلى بعضهم البعض متسائلين عن صوابية الجواب وهل فعلاً هم مسؤولون عن كل هذه الأزمات؟
إذا كنا نطالب الرياضيين بالإنجازات وتحقيق البطولات وتحطيم الأرقام فعلينا أن نقدم لهم المقومات والمساعدات ونهيئ لهم الظروف والإمكانيات لتحقيق ذلك، ودون توفر هذه العوامل فلن نرى بطولة ولن نحصل على أبطال، وأما قولهم حققوا البطولات ولكم بعدها الأجر والثواب فهذا الكلام أكل عليه الزمان وشرب لأنه لم يعد مقبولاً وهو غير مقنع.
لكن الشيء المقبول في الردود التي لم تكن كلها سلبية بالمطلق هو الاعتراف بالأزمة المالية والصعوبات التي تعترض العمل الرياضي، مؤكدة هذه الردود على ضرورة الصبر والتضحية حتى يتم إزاحة هذه الغيمة السوداء عن سماء رياضتنا.
والاعتراف الآخر أن الاحتراف الممارس في الرياضة أعوج وخاطئ والمفترض إعادة دراسة قوانينه ونظمه حتى لا يبتلع كل الجهود والإمكانيات والواردات فتضطر الأندية إلى الاستدانة والبحث عن موارد من المحبين والداعمين وعن المعونات من المنظمة الرياضية لتبقى على قيد الحياة.
لذلك كان الحض على بناء القواعد والعناية بها وصقلها ليتم الاعتماد عليها في رفد الأندية بدماء جديدة تكون خير معين عن الطريق الخاطئ التي سارت به أغلب الأندية وهو أهم مطلب من اللجان التنفيذية توجهت به إلى الأندية ليكون خطة عمل للموسم القادم وما بعده.
مؤتمرات الأندية انتهت وأغلقت الملفات وأوصدت في المكاتب والمكتبات وكل ما دار من نقاشات وحوارات وما رفع من توصيات فهو في علم الغيب ومؤجل إلى إشعار آخر.