هواجس جامعية .. أبحاث علمية مهدورة في مستودعات التلف وأمنيات طلابية تتلاشى ومخرجات تنتظر على عتبة سوق العمل!!
البعث الأسبوعية – تحقيقات – غسان فطوم
لو عدنا /20/ عاماً للوراء وفتشنا في الذاكرة العالمية للتعليم العالي نجد أن العقد الأخير من القرن الماضي نقل المجتمع الإنساني إلى ما يُعرف بمجتمع المعرفة، حيث كان للجامعات الدور الأكبر والأكثر فاعلية في عملية النقل هذه، ويأتي ذلك مع تنامي حجم المعرفة المتاحة أمام المجتمع نتيجة التطور الهائل الذي نشهده اليوم في تقنيات الاتصال والمعلوماتية، وثورة مواقع التواصل الاجتماعي التي كثرت القيود وعبرت الحدود بمجرد كبسة ذر.
سؤال ملح!
محلياً وبناء على ما تقدم ثمة أسئلة تطرح نفسها ولعل أهمها: هل منظومة تعليمنا العالي بوضعها الحالي ووسط هذا التسارع المعرفي قادرة أن تواجه التحديات وتنافس وتحقق متطلبات التنمية المستدامة، وما يتطلبه ويحتاجه سوق العمل؟.
من الآخر هناك مشكلة واضحة فيما يتعلق بمواءمة الخريجين مع سوق العمل وبطالة المتعلمين، والأخطر هو تدني مخرجات البحث العلمي في الجامعات السورية رغم كل ما نسمعه من تصريحات حول دعم البحث والباحثين المحبطين، والذين بات البحث العلمي عندهم مجرد وسيلة للترقية العلمية في الجامعة، وإن أراد أحدهم الاستثمار فغالباً ما يهاجر لبلد آخر يجد فيه من يقّدر بحثه ويشكر جهده المبذول معنوياً ومادياً.
للتذكير
في ورشة عمل حول مخرجات التعليم العالي أقيمت منذ أكثر من /15/ عاماً أطلق أحد أساتذة الجامعة صرخة دوت في أروقة قاعة المؤتمر فحواها “إن البحث العلمي الذي لا يمكن استثماره هو بحث مهدور في مستودعات التلف، فإلى متى الاستمرار بإهدار جهود الباحثين؟”.
المؤسف أن رجع الصدى لهذه الصرخة لم يكن على المستوى المطلوب، وكما يقال لم يحرك ساكناً، فالوقائع تشير إلى أن جامعاتنا ما زالت تجتر نفس طرائق التدريس وأسلوب الامتحانات الذي يعتمد على الحفظ البصم مع استمرار غياب الرؤية الإستراتيجية القادرة على إصلاح العلاقة بين التعليم والتنمية!.
على العتبة!
في استطلاع رأي لعدد من أساتذة الجامعة والطلبة في المرحلتين الجامعية الأولى والدراسات العليا حول ما إذا كانت جامعاتنا قادرة على تحقيق متطلبات التنمية في عصر المعرفة كان هناك شبه إجماع على أن جامعاتنا ما تزال تقف على العتبة تتفرج والدليل تقدمها البطيء جداً على سلم الترتيب العالمي وحتى العربي، الأمر الذي يحتم عليها أن تسرع لنفض غبار الأساليب التقليدية والامتحانية وتحديث المناهج العاجزة عن مواكبة متغيرات العصر ومتطلبات مجتمع المعرفة.
وذكر العديد من الطلبة أن هذا الواقع سيساهم في ضعف إقبال الطلبة على التعليم في الجامعات، خاصة أنه أصبح هناك قناعة عند غالبية الخريجين في الجامعات أن بسطة في أحد الأسواق الشعبية أفضل بكثير من شهادة جامعية مصيرها التعليق على الحائط، وذلك قياساً للدخل اليومي الذي تدره البسطة والذي قد يوازي راتب شهر لخريج في الجامعة موظف في الدولة!.
غير عادلة!
ومن جملة الانتقادات التي وجهها الأساتذة والطلبة للجامعات والتي تساهم في تأخرها عن ركب عالم مجتمع المعرفة، استمرار اعتمادها على علامة أو درجة الثانوية العامة في القبول الجامعي، مؤكدين أن طريقة القبول هذه لا توحي بالثقة والمصداقية كونها غير عادلة وظالمة للطلبة المبدعين والذي قد تطير أحلامهم على أجزاء من العلامة!.
وطالب شريحة من الطلبة بإعادة النظر في مدة الدراسة في بعض الكليات، مشيرين إلى وجود هدر واضح للوقت في كليات يمكن اختصار سنواتها الدراسية إلى ثلاث سنوات بدلاً من أربعة، في حال تم تفعيل برامج ودورات التأهيل والتدريب للخريجين بما يتوافق مع معايير الجودة ومتطلبات السوق.
ترهل واستسهال!
في ذات السياق طالب عدد من الأساتذة بضرورة إعادة النظر في أدوار عضو الهيئة التدريسية، مشيرين إلى وجود أداء نمطي في آلية عمل الجامعات ساهم في إضعاف دور الأستاذ الجامعي في وقت مطلوب فيه أن يكون قائداً وعالماً ومبدعاً في عمله، وأشار البعض إلى خلل واضح في منح شهادات الماجستير والدكتوراه لجهة التساهل والمجاملة من قبل لجان التحكيم في قبول الأبحاث ووضع درجات لا تستحقها الشهادة، بمعنى هناك “ترهل واستسهال في إعطاء درجة الدكتوراه لمن لايستحقها في كثير من الأحيان”.
أحد الأساتذة ومن على منبر دكاترة الجامعات السورية قال “يحتاج المدرس الجامعي الذي تم تعيينه إلى فترة لا بأس بها للتأهيل والتكوين، واقترح أن يتم دعوة أساتذة أجانب من مختلف المدارس الأكاديمية في العالم للقيام بدورات تأهيلية للمدرس الجامعي للحصول بهدف الحصول على مخرج جامعي يليق بالعملية التدريسية ووقتها لن يهم تعيينه سواء كان عضو هيئة فنية أو بمسابقة أو أي صنف آخر من التعيين، مؤكداً أنه من غير تحسين المستوى فلن يكون هناك تطور في العملية التعليمية”.
وسأل البعض: لماذا هذا التجاهل لأعضاء الهيئة الفنية و عدم النظر في وضعهم؟.
وبرأيي أستاذ جامعي آخر أن ما وصلت إليه جامعاتنا من مستوى أقل من نظيراتها عربياً وإقليمياً يعود “للوضع المادي المزري لعضو هيئة التدريس والمحسوبيات في التعيينات الإدارية وعدم إيفاد أعضاء الهيئة التدريسية إلى دول العالم المتقدم للإطلاع على آخر مستجدات التطور العلمي، وأيضا ضعف في العمليات الامتحانية في وزارة التربية حيث تفرز طلابا نجحوا وتفوقوا بطرق ملتوية، مطالباًبالاهتمام أكثر بمنظومة التعليم بكافة مراحلها”، فيما رأى أستاذ آخر أن السبب يعود “لجمود القوانين الناظمة وعدم تطويرها بما يناسب البيئة التعليمية والكادر التدريسي والطلاب، متسائلاً: لماذا لا يمتلك أصحاب القرار الجرأة على تطوير أو تعديل أو حتى تغيير بعض القوانين لضمان مستوى أفضل لجامعاتنا؟”.
بالمختصر، جامعاتنا ورغم التطور الكبير الذي طرأ على بنيتها التحتية ورغم امتلاكها لعدد كبير من أعضاء الهيئة التدريسية المميزين الذين نعتز بهم، لكنها لا تزال تعاني من ضعف أكاديمي ومهني وتقني، وما يزيد الطين بلة الترهل في بعض مفاصلها الإدارية المهمة، لذا بات لزاماً أن تخلع هذه العباءة وتخرج من جلباب الأداء النمطي وأن تتجه بقوة لتخريج مبدعين ومبتكرين وليس موظفين ينتظرون رواتبهم آخر كل شهر!.