عائد البالة المهدور؟!
علي بلال قاسم
عبر عقود طويلة، لم تتبن الحكومة قراراً واضحاً يقضي بالسماح باستيراد ألبسة البالة تحت مبررات وأسباب اختلفت وتنوعت بين فترة وأخرى، حسب التوجهات التي رسمت ملامح كل مرحلة، ولاسيما تلك التي كان للقطاع الخاص كلمته فيها لجهة محاربة هذه البضاعة التي اعتبرها منافساً للصناعة الوطنية التي نشطت وازدهرت ماركاتها في فترة ما بعد التسعينيات، لتخرج المسألة بحبكة ضعيفة وغير مقنعة، إذ كيف للبالة أو الثياب المستعملة أن “تغرق” علامات فارقة وعالمية، لها زبائنها ومستهلكيها؟
من كثرة اجترار ملف البالة وإعادة مضغه تحول إلى خرقة “باليه” غير مرغوب التطرق إليها، على الأقل إعلامياً، بسبب الملل والضجر الذي أصاب الشارع والمسؤول معاً، جراء فضائحية التعاطي مع الملف وتقلباته، والمزاج الرسمي السائد بشأنه، وعلى رأس كل ذلك اللا اتزان والتناقض في المنع من فوق الطاولة وغض النظر من تحتها؟!
هنا لا يمكن تحييد دور التجار الذين استقدموا رخصا عالمية وافتتحوا محال ومولات فخمة، وهؤلاء كانوا للبالة بالمرصاد، في وقت راح البعض يعزف على وتر الجانب الصحي، والإدعاء بأن البالة بيئة خصبة لدخول الأمراض والأوبئة، وهذا ما لم تك الحكومة التي رفعت الفيتو بوجه مناصري البالة موفقة فيه، إذ إن مجريات الأمور توضح أن التهريب الأعمى هو الذي يسبب دخول الأمراض، لأنه غير مراقب صحياً، في حين أن شرعنة دخول البالة يحصنها من كل التهم التي تطالها.
المفارقة التي تضع الحكومة وأجهزتها، وعلى رأسها وزارات الاقتصاد والصحة والجمارك، في خانة ” اليك “هي بالقرار الحاسم الذي لا تتوانى فيه بالمنع حتى ولو وصل الأمر إلى مناقشة مجلس الشعب للملف، ولكن من يتجول في أسواق المحافظات يجد العجب، فالبالة تملأ دنيا الأسواق والأحياء، عبر مئات المحال التي تفتتح ليس في الأسواق المركزية للبالة، بل في المناطق، تحت أعين الرقابة، وبلا وازع من دعاة الرفض ومؤيديهم ممن يدعون الغيرة على الاقتصاد الوطني وعافيته، وهم أول الزبائن في محال وبسطات البالة.
هو سؤال يحير الجميع: كيف تمنع البالة منعاً باتاً وهي بذات الوقت تغزو الأسواق، وتجارها وبائعوها “مهربون” ومخالفون من وجهة نظر القانون، ولا أحد يقترب منهم، لا بل تصل الأمور إلى ارتباطات وشراكات بين صغار وكبار تجار البالة ومتنفذين وأصحاب قرار، والأرباح على “قفا مين يشيل”، علماُ أن في هذه الخروقات وسلوكيات التعامي الرسمي عن دخول البالة مصلحة مواطن ومستهلك يستطيع الحصول على قطعة “محترمة” بسعر أقل من الجديد الوطني والمستورد؟!
قد تبدو القضية معقدة بوجود مواطن يعتبر البالة حاجة وفرصة لضعف ذات اليد وملاذا لعدم القدرة على شراء الجديد، عدا عن الجودة التي تمتاز بها البالة على الآخر الجديد.. ولكن، هل يعقل أن تبقى المسألة خارج القوننة، وتهدر الملايين من الرسوم والضرائب التي يمكن أن تدخل خزينة الدولة؟!