كيف تصنف قصائد عمر أبو ريشة شخصيته حياة وإبداعاً؟
حلب – غالية خوجة
كيف نستقرئ شخصية الإنسان وفكره وحياته من خطه وكتاباته؟ وكيف نتكاشف أسراره من خلال آثاره العلمية والأدبية والحياتية؟ وما أهم مواقفه الوطنية والشخصية؟
أسئلة كثيرة طرحتها ندوة “عمر أبو ريشة.. شخصيته من خلال شعره”، التي أقامها اتحاد الكتّاب العرب فرع حلب بالتعاون مع مديرية الثقافة، في صالة تشرين، لتعرفنا على شخصية الشاعر الدبلوماسي عمر أبو ريشة، إضافة لتساؤلها عن رموزه التأريخية والشعرية ورأيه بالشعر الحديث؟
بداية، رأى الباحث الكاتب محمد قجة أن الكبرياء والسمو على الصعيدين الشخصي والوطني محور أساسي في تكوين شخصية أبي ريشة، واعتداده بنفسه لا يقل عن محاكاته لاعتداد المتنبي بالنفس، إضافة للنرجسية النازحة إلى المرضية.
وتحدث قجة عن سيرة أبي ريشة ومقاومته للاحتلال الفرنسي وما بعده، وكيف كان أول مدير لدار الكتب الوطنية في أربعينيات القرن الماضي، ثم عمل سفيراً لسورية في عدة دول، وكتب العديد من القصائد عن رحلاته والأماكن التي كان فيها سفيراً أو التي زارها، وكان صديقاً للعديد من الشخصيات السياسية والأدبية مثل رئيس وزراء الهند نهرو ثم ابنته غاندي، وظل في السلك الدبلوماسي حتى إحالته إلى التقاعد عام 1970، وكيف تزوج مرتين، ودونت زوجته الثانية سعاد حياته، وتوفي عام 1990 في السعودية، وحسب وصيته، حُمل جثمانه ودفن في مقبرة الصالحين بحلب، وأوصى بكتابة أبيات من شعره على قبره:”ملاك الموت طاف بي الأعالي وشق بها غياهب كل تيه”.
وركّز قجة على مواقف الشاعر عمر أبو ريشة مع الحياة والناس والذات والمرأة، وتلك التي تبدو فيها ألوان من التراث الصوفي والروحاني كونها متجذرة في بيئته، وكيف كانت له مواقف انحيازية للوطن والرموز التأريخية لا سيما إبراهيم هنانو، الخليفة المعتصم، سعد الله الجابري، خالد بن الوليد، سيف الدولة الحمداني، إضافة إلى مواقفه تجاه بعض الشعراء مثل المتنبي والشريف الرضي وأحمد صافي النجفي وبشارة الخوري، وأبو العلاء المعري، وقصيدته للمعري المعتبرة من أقوى ما كتب، بينما له مواقف نرجسية عدائية وقاسية تجاه شعراء آخرين ومنهم البحتري الذي اعتبره متسولاً، وأبو تمام الذي اتهمه بشاعر التركيبات، وأحمد شوقي الذي اعتبر شعره ولد ميتاً، أمّا بشعر التفعيلة والنثر فكان له رأي حاد أيضاً!
ولفت قجة إلى دوار باسم أبو ريشة قرب جامعة حلب، باقتراح تشاركي منه ومن الكاتب وليد إخلاصي، وكتبت عليه قصيدته الوطنية “يا عروس المجد”، وأشار إلى دواوينه التي طبعت أكثر من مرة منذ 1940 عن دار العودة، ثم أعماله الكاملة الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب بجزأين: الشعرية، والمسرحية.
وبدوره، تحدث د. فايز الداية عن حياته من خلال استقصائه وتحقيقه ليغربل الظلال عن الأقرب للحقيقة من خلال انحيازه إلى الموضوعية بإيجابيتها وسلبيتها، للضرورة التوثيقية، بعيداً عن كثير من الأخطاء المتداولة، معتمداً على المراجع الدقيقة من كتب ومقالات وصور وأشخاص من أقرباء أبي ريشة والمقربين منه ومعاصريه، فمثلاً، رجع لابن أخته زينب ليتأكد من تأريخ مولده الذي ثبت أنه عام 1908، وكيف أن “أبو ريشة” لم ينتظر النكبة ليعبّر عن الحق العربي في فلسطين والوطن العربي، ومنها مشاركته في مظاهرات عام 1936، وكيف كانت نشأته بين أكوام الكتب ليكوّن ثقافته وشخصيته، هو الذي عاش في بيت أقرب إلى روح الصوفية ثم انتقل إلى الانفتاح على الآخر والعالم من خلال ذهابه للدراسة في بيروت ثم بريطانيا التي لم يكمل فيها دراسته في مجال الكيمياء الصناعية.
وكشف د. الداية عن تفاصيل من حياة شاعرنا وكيف كان فتياً يجول في شوارع حلب، مفعماً بالحيوية واللغة الجميلة والشخصية الوسيمة، لكنه عندما يغضب يتلفظ بطريقة أهالي حلب، كما أنه تفرغ للدرس والقراءة مبكراً منذ 1932، وهذا ما روته الأديبة الحلبية عائشة الدباغ، أول امرأة في الوطن العربي وسورية في مجلس الشعب، والحائزة على ماجستير في التأريخ من الجامعة الأمريكية في بيروت في خمسينيات القرن الماضي، وكانت أسرتها على علاقة مباشرة مع زينب أخت عمر أبو ريشة الذي رأى أن قدراته أكبر من واقعه فأراد أن يقفز إلى أعالي السماء، وكانت أول وظيفة له مديراً لدار الكتب الوطنية، وتم تعيينه لخبرته وثقافته ومعرفته بالإنكليزية والعربية دون شهادة جامعية، ليصبح لاحقاً سفيراً في السلك الدبلوماسي، بينما ظل الشاعر نزار قباني 30 سنة في السلك الدبلوماسي ليصبح سفيراً!
وأكد الحضور على أهمية عمر أبو ريشة النابعة من أسلوبه وصياغته السلسلة الجذابة المثقفة التي جعلته من أوائل الشعراء في الوطن العربي، ولفت بعض الحضور ومنهم شخصيات رسمية وثقافية إلى ضرورة تجذير هذه الذاكرة التراثية بين الجيل الشاب من خلال الحضور والمشاركة، إضافة إلى إقامة ندوات مشابهة عن الإنسان المؤنث المبدع في حلب عبْر التراث والحاضر.