دراساتصحيفة البعث

الناتو.. أداة الوعود الكاذبة

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

بات من المعروف أن الصراع الذي يدور في أوكرانيا بين الناتو وروسيا غير متماثل، فحلف الناتو كيان مكوّن من 30 اقتصاداً، مع إنفاق عسكري أعلى بمقدار 12 مرة على الأقل من روسيا، وقد تفاخر الأمين العام السابق لحلف الناتو أندرس فوغ راسموسن، مؤخراً، بأن “بوتين يعرف أن الناتو ينفق 10 أضعاف ما تنفقه روسيا، ويستطيع حلف الناتو أن يضربه في عجالة”، وهذا أمر مثير للغاية بالنظر إلى أن الناتو أخبر العالم دائماً أن روسيا تشكل تهديداً كبيراً للغرب.

وعلى الرغم من فقدان مبرّر وجوده في عام 1990، إلا أن الناتو كان يتوسع أفقياً ورأسياً، وأصبح أكثر عدوانية من أي وقت مضى، وقد حنث بكل الوعود التي قدمها للرئيس السوفييتي الأسبق ميخائيل غورباتشوف بأنه لن يتوسع “بوصة واحدة” خارج حدوده الحالية.

وقد احتج جميع القادة الروس على توسّع الناتو، وكذلك الأمر بالنسبة لخبراء أمنيين بارزين ومطلعين وسياسيين أمريكيين سابقين، وسفراء لدى موسكو، حيث لم يُظهر أي استطلاع للرأي في أوكرانيا على الإطلاق أن غالبية الأوكرانيين يدعمون عضوية الناتو.

قال الأمين العام الحالي لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إنه ينبغي على الدول أن تختار شراكتها الأمنية بحريّة، لكن الناتو لم يسمح لأوكرانيا بذلك، ومنذ عام 1991 كان الناتو يتودّد إلى أوكرانيا ويسلحها بهدف ترتيب أمني واحد فقط لأوكرانيا، وهو عضوية الناتو.

وبينما يواصل الغرب إلقاء اللوم على روسيا في الصراع مع أوكرانيا، فإن الناتو مسؤول عن الصراع الأساسي، والصراع حول الحق في الشعور بالأمان، ولن تقبل أي دولة من دول الناتو ما يتوقع الناتو أن تقبله روسيا.

لم يعد حلف الناتو يعتمد على التحليلات الفكرية التي تنصّ على المسلّمات، فالردع الذي يبني عليه هو في الأساس مفهوم هجومي يتضمن القدرة على إيذاء، وقتل الآخر على أراضيه، وهو عكس الأمن المشترك، كما يعتمد دفاع الناتو في النهاية على حق الاستخدام الأول للأسلحة النووية، حتى ضد هجوم تقليدي أو إلكتروني، ولديه إجابة واحدة فقط لكل مشكلة: “المزيد من الأسلحة”.

إن التحالف العسكري الغربي يفترض التهديدات والتحديات ولا يجادل بها، فالصين تحدّ لأن مصالحها وقيمها مختلفة، وهذا يعني أن الناتو يؤمن بإضفاء الطابع العالمي على القيم الغربية، مما يجعل الآخرين مثله، لكن المشكلة الحقيقية هي أن الناتو والولايات المتحدة لا يمكن أن يعيشوا من دون أعداء، فهم يسعون إلى المواجهة، وليس التعاون.

منذ عام 1949، عندما تمّ تشكيله، قام الناتو بتبديد تريليونات الدولارات من أموال دافعي الضرائب دون أن يكون قادراً على جعل الدول الأعضاء تشعر بالأمان، أو استعادة السلام في أي مكان، ويضمّ الناتو 8 بالمائة من سكان العالم، لكنه يمثل 57 بالمائة من الإنفاق العسكري العالمي.

إن العالم أقرب من أي وقت مضى إلى حرب كبرى، لذلك يجب مساءلة الناتو، لماذا فشل فشلاً ذريعاً، وماذا سنفعل الآن معاً؟. إنها مهمة سياسية- فكرية، وليست تحدياً عسكرياً يجب أن تضاهيها.

لقد سعى الاتحاد السوفييتي إلى أن يصبح عضواً في الناتو عام 1954، وكذلك فعل غورباتشوف، وبوريس يلتسين، وفلاديمير بوتين، فلماذا كان الباب مغلقاً دائماً أمام الأعضاء غير الموالين للولايات المتحدة؟ وكيف يمكن لمنظمة تكون معاهدتها نسخة من إعلان الأمم المتحدة -مع إضافة الفقرة 5 حول الدفاع المشترك- أن تنتهك المعاهدة الخاصة بها كلّ يوم، على سبيل المثال، تقصف صربيا وكوسوفو وليبيا وتتوسع الآن بعنف في أوكرانيا؟.

إن عولمة الناتو المتطورة تضمّ 30 عضواً، ويجب أن يكون الأعضاء المستقبليون أوروبيين، لكن لديها أيضاً 40 شريكاً عبر القارات، وهي الأداة الأمريكية الرئيسية للحفاظ على الهيمنة العالمية.

وحالياً الولايات المتحدة إمبراطورية آخذة في التدهور، ولا بدّ أن تنهار، ولكن لا يزال بإمكانها إلحاق الكثير من الضرر بالدول الأخرى قبل أن يحدث ذلك، وأخطر جوانب أزمة الغرب هي الحلقة المفرغة لنزع السلاح الأخلاقي والفكري، والمزيد من التسلح العسكري والعسكرة.