أوروبا تدفع فاتورة المغامرة الأمريكية في أوكرانيا
سمر سامي السمارة
إلى متى سيستمر الاتحاد الأوروبي بدفع ثمن الحرب في أوكرانيا؟ ومن المستفيد في أوكرانيا؟
كثيرٌ من هذه العناوين الرئيسية وما شابهها التي تتصدّر وسائل الإعلام في الشرق الأوسط، ودول أخرى في العالم، والتي تعكس الاستجابة الإقليمية للسياسة الأوروبية في أوكرانيا بعد إطلاق العملية الروسية الخاصة ضد النازيين الجدد في كييف، والنتائج والتحديات السياسية والاقتصادية وغيرها المترتبة على هذه السياسة.
وكنتيجة للواقع الذي بات يعيشه الاتحاد الأوروبي مؤخراً، يؤكد المراقبون أن الولايات المتحدة استخدمت الصراع لتعزيز موقعها العالمي من خلال تواجدها في القارة الأوروبية، وزيادة صادراتها من الغاز لاستنزاف روسيا لتحلّ محلها.
وللقيام بهذا الدور، فرضت الولايات المتحدة سيلاً من العقوبات ضد موسكو بمشاركة الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي ورّط الاتحاد في أزمة خطيرة وكشف سوء الإدارة السياسية لقادة العالم القديم. ولسوء الحظ، يبدو أن الضمير السياسي الأوروبي لم يستيقظ بعد على صدمة الحرب العبثية التي أضرّت باقتصاد هذا الجزء الحيوي من العالم.
من المؤكد أن تجاهل روسيا كشريك على قدم المساواة يمنع الأوروبيين من رؤية الوضع وتفهمه كما هو عليه، كما أنهم لم يروا أن هذا الوضع يصبّ في مصلحة واشنطن وحدها، لذا قرّر هؤلاء القادة شراء غاز بتكلفة أكبر بكثير من الولايات المتحدة، ما أدى بطبيعة الحال إلى هذا التضخم المفرط.
بدورها، حذّرت وكالة الطاقة الدولية من أن أوروبا قد تواجه نقصاً في الغاز بمقدار 30 مليار متر مكعب في الصيف المقبل، لذلك يجب اتخاذ إجراءات فورية قبل شتاء 2023-2024.
ويرى مراقبون أن تلافي هذا النقص لن يكون ممكناً، إلا إذا استأنفت أوروبا علاقاتها مع روسيا، فالصراع في أوكرانيا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة وحدها، لكن القادة الأوروبيين يعالجون الأمور بطريقة مختلفة، وبالتالي عليهم أن يتحملوا العواقب.
من الجدير بالملاحظة أن المستفيد الأكبر من توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، وفقاً للخبراء، هو أيضاً الولايات المتحدة، فقد كسبت المؤسّسات الصناعية العسكرية ثروة كبيرة خلال هذه الفترة من الحرب، وقد أعلنت دول أوروبية مثل ألمانيا والسويد عن زيادة ميزانيتها الدفاعية، مما يوفر فرص التجارة الضخمة للشركات الصناعية العسكرية الأمريكية.
وليس من المبالغة أن نقول إنه أينما كانت هناك حرب في العالم فالولايات المتحدة حاضرة بقوة، وحتى لو لم تشارك بشكل مباشر في الحرب، فإن الأسلحة والمعدات الأمريكية موجودة في كلّ مكان في ساحة المعركة.
إن الولايات المتحدة مرتبطة بشدة بالمجمع العسكري الصناعي، وهي تخلق باستمرار صراعات حول العالم، وهي المصدر والمحرك الرئيسي من خلف الكواليس للاضطرابات الموجودة في العالم. واليوم، تعتبر أوكرانيا ساحة اختبار للمعدات العسكرية، والتخلّص من الأنواع القديمة وتطوير أنواع جديدة، فشركاء واشنطن وحلفاؤها يدفعون فواتيرها العسكرية.
اليوم، بات واضحاً أن القرار الذي اتخذته عدة دول أوروبية بتدريب جنود أوكرانيين على أراضيها، يجعلها أكثر تورطاً في دوامة الحرب، ويخاطر بتزايد العزلة بين أوروبا وروسيا.
وتشير الوقائع إلى أن الضرر الذي يلحقه الصراع في أوكرانيا بالأوروبيين لا يقتصر على ارتفاع تكاليف المعيشة والطاقة فحسب، فثمة مؤشرات على وجود انقسامات بين حلفاء كييف، وتناقضات متنامية، فضلاً عن التغيّرات المتزايدة في المشهد السياسي.
ومع تنامي المشكلات داخل الدول الأوروبية وفيما بينها حيال الأحداث في أوكرانيا، تتلاشى أحلام السياسيين في ركوب موجة الرواية الرئيسية للصراع في أوكرانيا، والتي يبدو أنها معركة بين “الديمقراطية الغربية وروسيا”.
أولئك الذين يراهنون على هذه المعركة اليوم لترسيخ أنفسهم في السلطة، وهزيمة خصومهم المعارضين الداخليين يخسرون، فلم تحمِ المغامرة الأوكرانية بوريس جونسون، ولا ليز تراس في المملكة المتحدة، كما أنها لم تساعد الحزب الديمقراطي على الفوز في انتخابات الكونغرس الأمريكية.
ويبدو أن الشعوب الأوربية فهمت مؤخراً أنها ليست سوى بيادق يحركها القادة الغربيون لتحقيق أهدافهم الضيّقة، وغالباً لم يكن ليختاروا موقفاً معادياً لروسيا أو دعماً لأوكرانيا، فالأشهر المقبلة، أي فصل الشتاء، قد تكون حاسمة من حيث قراءة البوصلة لسياسة العالم القديم تجاه أوكرانيا، ففي حال تفاقم عجز الطاقة لدى الأوروبيين، وفشل إداراتهم في تلافي هذا العجز، قد يوجّه سير الأحداث قوى وأحزاب المعارضة.