دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة تفقد التوازن في واقعها الجيوسياسي

عناية ناصر

خلال قمة مجموعة العشرين التي اختُتمت مؤخراً، سعى العديد من قادة المجموعة للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، بمن فيهم العديد من حلفاء الولايات المتحدة الذين استغلوا بنشاط المنصة متعدّدة الأطراف لمجموعة العشرين للتواصل مع الصين في محاولة للتخفيف من حدة العلاقات الثنائية المتوترة، الأمر الذي يظهر مدى الاعتراف بنفوذ الصين على نطاق واسع في المجتمع الدولي، حيث يدرك العديد من حلفاء الولايات المتحدة أن الطريقة الوحيدة للتغلّب على بعض التحديات الداخلية وحتى العالمية هي من خلال العمل والتعاون  مع الصين.

حتى لو استمرت الولايات المتحدة في الضغط على حلفائها، وخاصةً دول تحالف “العيون الخمس” التي تفتقر إلى الاستقلال السياسي، فلن تهمل أي دولة مصالحها الخاصة تماماً. على سبيل المثال، السياسة الداخلية للمملكة المتحدة في حالة من الفوضى.

وعلى الرغم من أن قادة كلا الجانبين لم يجتمعوا بمفردهم، إلا أن رئيس الوزراء ريشي سوناك تراجع عن إعادة تصنيف الصين رسمياً على أنها “تهديد”. كما تسعى أستراليا، التي كانت بمثابة رأس الحربة في الحملة ضد الصين، إلى تحسين العلاقات مع الصين، إذ أكد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز أن الاجتماع مع الرئيس شي كان “إيجابياً وبناءً”.

استناداً إلى ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال حدوث بعض التراجع في سياسة أستراليا تجاه الصين، نظراً لحقيقة أن الوضع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لا يزال يتسم بعناصر عدم الاستقرار وعدم اليقين، حيث تأمل أستراليا أن تتمكّن من الحفاظ على استقلالها، وتجنّب التأثر بالعوامل الداخلية والخارجية.

علاوة على ذلك، التقى قادة الصين واليابان رسمياً خلال الاجتماع التاسع والعشرين للقادة الاقتصاديين لمنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في بانكوك، وهي المرة الأولى التي يلتقيان فيها منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وذلك بسبب اتباع اليابان، باعتبارها الحليف الأكثر أهمية للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، الولايات المتحدة خطوة بخطوة، مما تسبّب في العديد من التقلبات والمنعطفات في علاقاتها مع الصين. ومع ذلك، لا يمكن فصل التنمية الاقتصادية اليابانية المستقبلية، وإعادة التعديل الاستراتيجي عن الحوار مع الصين.

بشكل عام، لدى حلفاء الولايات المتحدة حسابات واضحة تتعلّق بمصالحهم الخاصة، فهم يصوغون سياستهم الخارجية وفقاً لمصالحهم، على الرغم من أن لديهم مصالح استراتيجية معينة مشتركة مع الولايات المتحدة. والأمر الأهم من ذلك، أن لديهم علاقات اقتصادية وتجارية وثيقة مع الصين، لكن عندما يتعلق الأمر بالمصالح العسكرية، فلن ينضمّ الحلفاء بشكل أعمى إلى المعسكر الأمريكي، وخاصةً إذا تصاعدت التوترات إلى صراع عسكري. وعليه يظهر التحالف الأمريكي أنه ليس متيناً، حيث لم يعد من الممكن للولايات المتحدة إعادة بناء التحالف متعدّد الجنسيات مثل تحالف الدول الثماني لاحتواء الصين.

ووفقاً لما قاله لو شيانغ، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فإن الولايات المتحدة تتراجع، وذلك لأنها تدرك أن الضغط الشديد على حلفائها لن يؤدي إلا إلى ميلهم نحو الصين. وبدلاً من القول إن حلفاء الولايات المتحدة يبحثون عن توازن جديد بين الصين والولايات المتحدة، من الأفضل القول إن الولايات المتحدة نفسها بحاجة إلى إيجاد توازن بين هدفها الجيوسياسي والواقع الجيوسياسي.

من هنا يبدو أن القيم والأيديولوجيا الأمريكية بدأت تفقد جاذبيتها على الساحة الدولية، فالعالم اليوم غنيّ بقيم وأنظمة مختلفة، وستدرك الغالبية العظمى من الدول ذلك، الأمر الذي سيكون له تأثير قويّ على الدبلوماسية الأمريكية التي تركز على القيم.