المبدع رشيد شخيص يجيد توثيق ذاكرة اللاذقية بالفن
اللاذقية- مروان حويجة
بإرادة صلبة لاتستكين للظروف، وبعزيمة قوية لاتلين، وبروح التحدي التي لا تأبّه لعدّاد الزمن ولا تحسب لسنوات العمر شأناً واعتباراً، وإنما لما تحمله هذه السنون من إنجازات ونجاحات، وهذه هي أبجدية الحياة التي يخطّها ويرسمها المربّي الفنّان رشيد شخيص الرجل الذي لم يسأم بعد قرابة ثمانين حولاً من صنع مسيرة إبداعية في رحاب لغة الضاد والخط العربي وفن الرسم، ولأنّه ابن اللاذقية البارّ بها والعاشق لها فقد قرأها سطوراً وقصائد، ورسمها ببحرها وشاطئها ومينائها ومدينتها التراثية القديمة، فاستطاع المربّي شخيص أن يشكّل بمرور السنين والعقود قامة إبداعية مشهود لها بين أبناء اللاذقية الذين يفخر عدد كبير منهم أنهم تتلمذوا وتعلمّوا الحرف واللون والخط على أيدي المبدع شخيص، وكثير منهم يدين له بالفضل في تحبيبهم باللغة العربية والتعمّق في دراستها وتدريسها والإبداع فيها، وأيضاً تدرّب آخرون على يديه في الخط العربي والرسم ومنهم من غدا فنانين مبدعين حققوا حضورهم في الساحة الفنيّة.
في لقاء البعث الأسبوعية مع المبدع رشيد شخيص يؤكّد أنه يؤثر دائماً ويفخر أن يكون المربّي المدرّس الذي ينذر نفسه وحياته وجهده وعمره لرسالة التعليم لما لها من أهمية وقدسية، إنها رسالة سامية، رسالة مستمرة، ولهذا فإنّ تعريفه وتقديمه بصفة المدرّس أهم بكثير من أي تقديم آخر لأنّ رسالته في التدريس والتعليم وتنشئة الطلبة رسالة لا تضاهيها رسالة بهمّة المربّي الرجل المبدع الذي يعشق الحياة أولاً وقبل كل شيء ويرسم حروفها بالعلم والعمل، ويقول المربّي الفنّان شخيص: رسَمتُ ذاكرة مدينة اللاذقية بالحرف واللون والخط ووثّقتُها عبر مئات اللوحات، ولأنّني العاشق للغة العربية والمتخصص بها والشغوف بالفن التشكيلي فلازلت أزاول التدريس بسعادة كبيرة، وبهمّة وشغف وأنا على أبواب الثمانين من العمر، لم أنقطع عن تدريس اللغة العربية والخط العربي والرسم إلى الآن منذ العام ١٩٦٤ بما يقارب ٥٨ عاماً متواصلة وبهمّة وبحبّ وشغف كبير لمهنة التدريس.
ويسرد شخيص سيلاً من ذكريات وحكايات إبداع زاخرة في ذاكرته ومخيلته على مرّ أجيال تعاقبت ومحطات تراكمت في مسيرته الممتدة قرابة ستين عاماً، بقي فيها الفنّان العاشق لمدينته البحرية الوادعة مجسّداً هذا العشق بريشته الرشيقة التي صوّرت معالم جمال اللاذقية بكل تجليّات هذا الجمال الممتد من الشاطئ والكورنيش إلى الجبال الخضراء الشاهقة والغابات الطبيعية الساحرة، فرسم الميناء والمرفأ، والحارات القديمة والكورنيش وكل تفاصيل اللاذقية الجمالية التي كانت ملهمته، ويعبّر الفنّان شخيص عن حنينه الدافق إلى معارض ومهرجانات وملتقيات ولوحات قاربت الحالة التوثيقية لذاكرة اللاذقية وتاريخها وتراثها وفلكلورها، وأمكنتها المشهورة كحديقة البطرني على الكورنيش الغربي والمتحف الوطني ومقهى شناتا والعصافيري وثانوية بوقا الزراعية القديمة العريقة ببنيانها، كما رسم الأزياء الشعبية والأوابد الأثرية والتاريخية، رسم الشروق والغروب، الصيف والشتاء وكل الفصول في اللاذقية.
وفاز بجوائز عديدة، قدّم أعمالاً متميزة، صمّم ملصقات وجداريات لمهرجانات عديدة، وإبداعات الفنان رشيد شخيص لم تقتصر على اللوحات والرسم بل كانت مرجعية تاريخية، وأفرد حيّزاً واسعاً من أعماله لبحر اللاذقية الذي لا يغيب عن لوحاته الجميلة وشمسها الذهبية عند الشروق والمغيب، وتبقى اللغة الغربية عند المدرّس شخيص شغفه الأكبر ومداه الأوسع، فأمضى جلّ وقته وكرّس اهتمامه للغة العربية تدريساً لأجيال غرس فيهم حبّ اللغة وعشقها والوفاء لها، وتوازى هذا العطاء الدافق مع تعليم فنّ الخط العربي بأبهى أشكاله وإبداعات رسمه، ولأنّه المبدع الذي يتقن فنّ التعبير عن أفكاره ورؤاه بلغته الرصينة فقد كان له نتاجات قصصية ومسرحية وعشرات القصائد الشعرية التي جرى تلحينها لتكون أغنيات جميلة ومعروفة.
ويؤكد شخيص أنّ بناء الجيل أساسه التعليم الذي من خلاله نستطيع أن نصقل قدراته وننمّي مواهبه بكل أشكالها، ولذلك كان إصراري دائماً وأبداً وعبر مسيرة عملي أن يعرفني الناس مدرّساً ناجحاً وفيّاً لهذه المهنة السامية التي لاتضاهيها مهنة، ورغم أنني تقاعدت وظيفياً قبل قرابة عشرين عاماً إلّا أنني لم أتوقف عن التدريس وأنا الآن في الثامنة والسبعين من عمري، فأنا مستمر في تدريس اللغة العربية والخط العربي والرسم إلى الآن منذ العام ١٩٦٤ بما يقارب ٥٨ عاماً دون انقطاع وبهمّة عالية وبحبّ وشغف كبيرين لا حدود لهما.