إدارة الخبرة والكفاءة!
غسان فطوم
فوز الطفلة شام البكور بنت السبع سنوات بمسابقة “تحدي القراءة العربي لعام 2022” إنجاز عظيم يجب أن نستحضره دائماَ كدلالة على تفوق وتميز السوريين كباراً وصغاراً أينما حلوا، فمن يسترجع التاريخ البعيد والقريب يجد الكثير من الأمثلة التي تؤكد على إبداع وتفوق الإنسان السوري. وبصراحة إن ما حققته شام يعود في جزء كبير منه لاجتهاد شخصي، فهي اتخذت من القراءة عادة وأسلوب حياة، إضافة لدعم عائلي متمثلاً بوالدتها التي آمنت بموهبة ومقدرة طفلتها على التفوق وإحداث الفارق في المسابقة التي شارك فيها 22.27 مليون طالب وطالبة من 44 دولة.
ما نريد قوله والإشارة له هنا أننا في سورية نملك الكثير من الكفاءات من أمثال شام، فسورية ولّادة بالمبدعين في مختلف المجالات، ولكن المشكلة لغاية اليوم هي في إهمالهم وعدم استثمارهم في المكان والزمان المناسبين، لذلك لا عجب أن تضع هذه الكفاءات الشابة والخبيرة أحلامها وطموحاتها بحقيبة سفر وترحل بحثاً عن من يقدّر قيمة ما تملكه من علم وفكر وموهبة!
هذه المشكلة “المزمنة” من هدر الكفاءات والاستهتار بشغفها ووأد مبادراتها المبدعة باتت أمراً مؤلماً يتسبب به الفشل في إدارة الخبرة والكفاءة وتوظيفها بالشكل الصحيح، وهذا أحد أسباب ما نعانيه اليوم، نتيجة الإقصاء والتهميش للكفاءات والخبرات في حضرة الخبير الأجنبي الذي كنا ندفع له بالعملة الصعبة، علماً أن التجارب أثبت أن الخبراء الأجانب ورغم بقائهم مدة طويلة يخلفون وراءهم جيشاً من الموظفين النمطيين غير القادرين على سد الفجوة!
والمؤلم أكثر أننا ما زلنا ننظر إلى عملية صناعة واكتشاف الكفاءات من باب التكلفة وليس الاستثمار المستقبلي، بمعنى “نقرّشها على الليرة” لجهة تدريب وتأهيل الكوادر و”نكمش” أيدينا في صرف الموازنات اللازمة لذلك، في وقت كان من المفروض والمطلوب فيه وضع خطة إستراتيجية لاكتشاف وصناعة الكفاءات ودعمها بكل ما يلزم حتى لو تكلفنا عليها مبالغ كبيرة، لأنها ستعوض كل ما يدفع لها وعليها بشرط أن نوظفها بشكل صحيح في خدمة التنمية والتغيير الذي ننشده. بالمختصر، إدارة مواردنا البشرية بهذه الطريقة العرجاء غير مجدٍ، فالعمل مع المبدعين، يحتاج لطرق وإجراءات مبدعة تحفزهم على البقاء والعطاء، فإن ضاقت بهم الأحوال وفروا لن ينفعنا حينها البكاء على اللبن المسكوب!