قراءة في كتاب “دمشق معالم وتاريخ” للراحل محمد قرانيا
مريم كدر
منذ أيام قليلة رحل عن عالمنا الأديب السوري محمد قرانيا مؤسس اتحاد الكتاب العرب في إدلب ومقرر جمعية أدب الأطفال وأمين سرّها الذي كتب القصة والشعر والمسرحيات والدراسات النقدية واهتم كثيراً بالكتابة للأطفال والناشئة مركزاً على غرس القيم التربوية والوطنية في نفوسهم وزرع حب الوطن في أفئدتهم، وكتابه “دمشق معالم وتاريخ” الموجه للناشئة من أروع الكتب حيث يتعرّف القارئ من خلاله على دمشق وتاريخها وأهميتها وأبرز معالمها وكل ذلك بأسلوب سلس رشيق يستخدم لغة مطواعة تشدّ انتباه المتلقي لمتابعة القراءة بشغف وتؤدي وظيفتها الدلالية كما الانفعالية حيث تزرع في القلوب كماً من الإعجاب والانبهار لامثيل له وكان يرفق معلوماته بصور جميلة تسهم في زيادة الإيضاح.
بدأ الكاتب حديثه عن دمشق بعنوان دمشق الحضارة فذكر أنها من أقدم المدن التي ظلت مأهولة باستمرار وذلك لما لها من مكانة علمية وثقافية وسياسية ودينية وتجارية ثم عدد أسماءها وألقابها ولم يغفل ورود اسمها في سفر التكوين وفي العهد الجديد، وذكر أنها وردت في النصوص الآرامية بلفظ (دار ميسك) أي الأرض المسقية ثم سميت في العصور الإسلامية (جلّق أو الفيحاء أوالشام) وتحدث عن تاريخها منذ ازدهارها على أيدي العموريين-الكنعانيين حتى العصر الحالي.
الفصل الثاني جاء بعنوان سور المدينة حيث وصفة بدقة وتوضيح متقصياً ومتتبعاً لكل المتغيرات التي تعرض لها ثم انتقل للحديث عن أبواب دمشق ومن جميل قوله “من أبواب دمشق كان يدخل التاريخ بالعمران ومنها دخل الغزاة والفاتحون والتّجار والبضائع والحرير والثقافات والفلاسفة والمتصوفون والأدباء وقادة الدول وكل باب يحمل تاريخ من مرّوا ودخلوا تحت قوسه”.
وبعد ذلك انتقل للحديث عن قلعة دمشق ذاكراً أنها بنيت على مستوى المدينة خلافاً لكل قلاع بلاد الشام وتحدث عن تاريخها وأهميتها، أما في فصل العملات في العهد الأموي فقد ذكر أن العرب كانوا يتداولون عملات منها الفارسية والبيزنطية التي كانت تحسب قيمتها الشرائية على أساس وزنها مقابل الذهب الصافي وليس على أساس قيمتها الاسمية قبل إنشاء دور سك النقود حيث أنشأ الخليفة الأموي “معاوية بن أبي سفيان” عدة دور لسك العملة ثم قام الخليفة عبد الملك بن مروان بتوحيد مقاييس النقود ومواصفاتها.
وانتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن الجامع الأموي فذكر تاريخه وأقسامه واصفاً إياه وصفاً دقيقاً بأسلوب سلس مشوّق مرفقاً وصفه بالصور لزيادة التشويق والإيضاح وتابع الحديث عن الكنيسة المريمية ثم التكية السليمانية.
أما حديث الكاتب عن ريف دمشق فقد جاء كافياً وافياً مؤدياً غرضه في التعريف عن كل بلدة أو مدينة وتاريخها وأبرز معالمها، ومن الجدير بالذكر أن الكاتب لم يغفل حمامات دمشق وأسواقها بل تحدث عنها وعن تاريخها وما طرأ عليها من تغيرات بتعاقب الأيام وانتقل للحديث عن نهر بردى قبل أن ينهي كتابه بوصف مكتبة الأسد الوطنية ودار الأسد للثقافة والفنون ليكون بذلك قد استوفى الحديث عن هذه المدينة العظيمة بأسلوب راقٍ جميل ولغة سلسة تناسب الفئة العمرية المستهدفة وتؤدي دوراً عظيماً في ترسيخ قيم المواطنة والاعتزاز ببلدنا الجميل وحضارته العريقة.
رحم الله أديبنا العظيم الذي كان مبدعاً في كل الأجناس الأدبية وكان حريصاً على توجيه الاهتمام للأطفال والناشئة مخاطباً إياهم بلغة عذبة سائغة تتناسب مع مستويات عقولهم ويقدّم في كتاباته القيم الإيجابية التي تسهم في تطوير شخصياتهم وتعزيز الأخلاق الحميدة فيهم ليكونوا في المستقبل نماذج مشرّفة يسمو بها الوطن ويرتقي.