ثقافةصحيفة البعث

قراءة في المجموعة الشعرية “أسمي جرحي شجرة”

هويدا مصطفى

صدر للشاعر طلال الغوار مجموعة شعرية بعنوان “أسمي جرحي شجرة” الصادرة عن دار العرب للنشر حيث تضم المجموعة بين طياتها حوالي 110صفحات من القطع المتوسطة، وقد تنوعت قصائد المجموعة مابين الشعر الوجداني والوطني والغزلي وتناولت الواقع بصور شعرية حديثة ولغة مكثفة عبرت عن الحياة بكل تفاصيلها.

كما للقصيدة شعريتها كذلك للعنوان شعريته ثمة علاقة وطيدة بين القصيدة والعنوان فهي علاقة الجزء مع وحدة النص، وهو خطاب مستقل عن خطاب القصيدة لكن مدار الدلالة وبؤرة المعنى واحد، فالصورة الشعرية تجسد لنا المشهد حتى لنكاد نراه بأم أعيننا يتجاسر على الذات الداخلة التي تخترق كل مسامات الشاعر فقد استطاع الشاعر باقتدار شعري عجيب أن يمتلك أدوات شعرية ترسم الصورة التي تخلق الرؤية بالإضافة لما حملته هذه اللغة الشعرية الرائعة من شحنات متتالية وطاقات قادرة على التحدي وهنا تتخلق حيوية النص ويتعاظم توهجه فنرى عمق دلالي ومشهد شعري متعدد الجوانب مهتماً برسم صور حية ونابضة للذات ليقول الشاعر في قصيدة “أسمي جرحي شجرة”:

هاأنا أنفخ جراحي في الناي

فتأخذني طرق

كأني لاأعرفها

هذه نافذة

تدير ظهرها للشمس

لهذا كفت الشمس عن الرسائل

الشاعر يطرح أسئلة انطولوجية عن قضايا تؤرقه وتغوص عميقاً في فكره فكل ماحوله من الوجود والإنسان والشوق والغياب والحب والمنفى أنين النفس وتساؤل الروح الحائرة فقد ظهرت تجليات الأنين والانكسار التي جسدت الألم والوجع الذي يحيا في النفوس في مقام الفقد، ونجد أن الشاعر اعتمد سمة الرمزية المنطلقة من رؤية فلسفية وتأملات تهدف إلى إيضاح العلاقة بدقة الأسلوب وبراعة التركيب.

وفي قصيدة “أنا عندي حنين” نجد أن النص الوجداني يميل بعاطفته وأفكاره وبصوره البيانية باتجاه الانزياحات الدلالية المعنوية لا باتجاه الوصف التصويري التجسيمي فإنه يحيط الأفكار بفضاءات عاطفية وفلسفية تنسجم مع أرواح المعاني من حيث القلق والاضطراب حيث اعتمد الشاعر بذكاء الصياغة اللغوية وأسلوب الطرح المدهش حيث يمتزج هنا جمال الشعرية التعبيرية بالمعنى الموجه برقة التعبير الخفي والعلني وبرهافة السرد والمجاز لنقول أن القصائد جاءت بشكل انسيابي بعيد عن الحشو والتشتت والضعف المجازي فالقصيدة مستقاة من الحياة بنبض شهي ومثير فمزج الشاعر بين الواقعية والخيال لتراقص موسيقاه بعيداً عن الرتابة مع إضفاء فيضاً من الحيوية بكل حرف.

وفي قصيدة “شرفات” يقول الشاعر:

نثرت على وجهي

صباحات

لتقرأ جبهتي في الحب شمس

ومضى يواكبني

لها عبق من الأحلام

فالشرفات غرس

فإذا بها

تسعى الدروب حثيثة نحوي

وللآفاق همس.

تمتزج هنا جمالية اللغة لتكثيف المعنى برقة التعبير والبناء اللغوي واعتماد رؤيته ليصبح أكثر وضوحاً وعمقاً تتجسد بكل زواياه داخل النص فالشاعر يمارس لذة الانجذاب والتدرج في التعبير من بنية إلى أخرى بنسج ثرية الايقاع هادئة عذبة المفردات.

وفي “همسة” تعتبر القصيدة مضيئة عبر تشكيلها الشعري فيظل النص منذ عتبة العنوان يكشف طوال الوقت هذه الأعماق الدلالية ويقدم صورة شعرية بلغة متحررة ففعل الشعر حيث يكون عالماً بمفردات الحضور الإنساني والعلاقات التي تتحدد فيه مواقع الكلام في صورة تخيلية ليرسم الصورة التي تخلق الرؤية وذلك بقفز اللغة فوق المستوى الكلاسيكي التي تتألق تارة وتتكاثف تارة أخرى ليستمد الشاعر في قصائده اللغة الرمزية وتعميق الدلالة التي تعتمد صفاء الرؤيا وصحوة الحواس من خلال تعبيره المباشر لما تعانيه الذات.

أثناء تأملي وقراءتي لهذه المجموعة لاحظت الانتقاء المتناسب للألفاظ فقد اختار الألفاظ الرقيقة التي واءمت الحالة الوجدانية والفكرة المطروحة التي يعيشها الشاعر أنه نص المعنى يكتشفه المتلقي خلف الفكرة التي تسير سيراً منسقاً ومألوفاً تشعرك وأنت تقرأها بأنك تحلق مرتفعاً لمستوى تتوهج فيه الحالة الإبداعية ضمن الإطار الزمني والمكاني.