تكاليف الجامعة ترهق الطلبة.. مطالبات بتشريع العمل الجزئي كحلٍ للبطالة ودوران عجلة الاقتصاد
“مع ارتفاع تكاليف الدراسة ومتطلباتها، لابدّ من البحث عن مصدر لكسب المال لتغطية النفقات، إلا أن العثور على عمل بأوقات دوام تتناسب مع مواعيد المحاضرات في الكلية أمر صعب، وعليه لابد من أن نختار، إما التركيز على الدراسة والاعتماد على الأهل في المصروف، أو التوجّه إلى سوق العمل على حساب المقررات الجامعية وسنواتها”، هذا ما قاله يزن، 25 عاماً، وهو الذي لا يزال يصارع في أروقة الجامعة وبين أوراق الامتحانات للحصول على شهادته في الهندسة الميكانيكية، بالتوازي مع عمله.
حال يزن ليست أفضل من غيره من شباب الجامعة، إذ أصبحنا نرى الكثير من الطلاب، والذكور منهم خاصة، قد تخطوا سن التخرج ولا زالوا ضمن قوائم الدارسين، لنجد أغلبهم يعمل إلى جانب دراسته، فتراجع تحصيلهم العلمي وانشغلوا عن متابعة دراستهم.
وظائف جزئية
أغلب الدول أتاحت الفرص أمام طلاب الجامعات للعمل بوظائف لا تتطلب منهم الالتزام لوقت طويل، وبالتالي يمكن لهم التواجد في كلياتهم ومتابعة دروسهم، والعمل بعد ذلك وفقاً لعدد محدّد من الساعات، ما يسمح لهم بالمذاكرة بسهولة دون أي ضغوطات. وقد لا تكون طبيعة العمل بتلك الوظائف الجزئية على صلة بمجال دراسة الطالب، إلا أنها توفر له قدراً من التدريب للاندماج بسوق العمل لاحقاً، وتكوين خبرة بسيطة عن الأجواء المهنية، ويساعد ذلك في بناء السيرة الذاتية عند التقدم لأي وظيفة شاغرة.
ووفقاً للدكتور منير عباس، خبير في إدارة الموارد البشرية والتطوير التنظيمي، هناك العديد من الوظائف تُسمّى الوظائف الطلابية، وتدخل ضمن نظام ساعات العمل وأهمها، المبيعات بكافة أشكالها، وخدمات الزبائن، الواقعية منها أو على الهاتف وعبر الانترنت، كما يوجد وظائف مكتبية بكافة أشكالها، (مطاعم، فنادق، نوادي) بحاجة لهذه الفئة من العمالة.
وبيّن عباس أن من فوائد نظام العمل الجزئي “إتاحة فرصة مناسبة للباحث عن عمل وليس لديه الوقت الكامل لذلك، كالطالب، ليصبح منتجاً ويعيل نفسه، وكذلك يفتح باباً آخر للدخل لمن يعمل بوقت كامل، فضلاً عن أنه يوفر للشركات مرونة في التكيّف بكتلة الرواتب والتقليل من ثقلها في بعض مراحل العمل، ويفسح لها إمكانية توظيف طيف واسع من العمالة النشطة والمؤهلة والمبدعة، التي لم تكن لتعمل لديها لولا مرونة ساعات العمل الجزئي”.
فوائد اقتصادية
وبالاطلاع على تجارب الدول الأخرى، فإن أكثرها يعمل على تهيئة الطلاب للمستقبل، ويكون ذلك بزجهم في سوق العمل، ولهذا عدة فوائد، بحسب الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور حيان سليمان، ومنها تحقيق انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني، لأن طاقة الشباب في العمل كبيرة وهذا يسهم في تسريع الدورة الاقتصادية، مشيراً إلى أن زيادة معدل التشغيل يعني تقليل معدل البطالة، تلك الآفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية والنفسية والحياتية. وبيّن سليمان أن عمل الطالب يكسبه خبرة عملية قبل التخرج ويزيد من كفاءته العلمية، فضلاً عن أن توفير عمل ملائم بدوام مناسب يقلل من تسرّب الطلبة من التعليم، وخاصة أولئك الذين يجدون صعوبة في تغطية نفقات الدراسة.
بيئة قانونية
وأوضح سليمان أن أغلب الطلاب يعملون في اقتصاد الظل، أي الاقتصاد غير الرسمي، وعليه يجب تهيئة بيئة قانونية لجذب هؤلاء الطلاب للعمل في الاقتصاد الرسمي، ولهذا الأمر انعكاسات إيجابية على الطالب نفسه وعلى خزينة الدولة، فضلاً عن تهيئة الطالب لتحمّل المسؤولية مما يزيد إنتاجه الحالي والمستقبلي، لذا يجب أن يكون هناك سعي من قبل الجهات المعنية في بلدنا لتطبيق هذا النمط من تشغيل الطلاب وبأسرع وقت ممكن.
ويتقاطع مع هذا التوجّه، الدكتور منير عباس، الذي لفت إلى وجود نقص واضح بقوانين العمل في سورية من ناحية عدم تمييز العمل والموظفين بوقت جزئي، خاصة وأن هذا النوع من الأعمال يناسب فئات عديدة، مشيراً إلى أن بيئة العمل أصبحت مهيأة للعمل عن بعد، ويمكن أن يقاس هذا النوع من العمل الجزئي بالساعات، إلا أن هناك غياباً لتحديد أجر الساعات في سورية على خلاف دول كثيرة، إذ يعتبر أجر الساعة المقياس الرئيسي في العديد من الدول.
جزئي ولكن..!
بناءً على آراء الخبراء، وبالاطلاع على تجارب الدول بهذا المجال، وانطلاقاً من أهمية وجود نصّ قانوني ينظم هذا النمط من الأعمال، سألنا المعنيين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عما إذا كان يوجد في القوانين ما يشير إلى ذلك، وجاءنا الردّ من مدير تنظيم العمل في الوزارة، خليل عواد بـ”أن قانون العمل رقم 17 لعام 2010 لم ينص على نظام خاص للعمل بالنسبة لطلاب الجامعات”.
وأوضح عواد أن المادة 1 من القانون رقم 17 تعرّف العمل الجزئي بأنه العمل الذي تقلّ فيه ساعات العمل اليومية عن ساعات العمل القانونية المنصوص عليها في الباب السابع من أحكام قانون العمل، والتي تقدّر بثماني ساعات في اليوم الواحد، غير أن أحكام هذا القانون لا تسري على العاملين في عمل جزئي لا تتجاوز ساعات عملهم في اليوم الواحد أكثر من ساعتين، وفي هذه الحال يخضع العامل للأحكام الواردة في عقود عملهم، والتي لا يمكن أن تقلّ عن حقوقهم فيها عما تنصّ عليه أحكام القانون (17).
التدريب المهني
قانون العمل على الرغم من عدم وضوحه لناحية العمل الجزئي، إلا أنه حاول تغطية الأمر من جوانب أخرى، كالتدريب مثلاً، الذي خصّص له عدداً من المواد، من 37 حتى 43، وفي هذا السياق بيّن مدير تنظيم العمل في الوزارة أن المادة 37 من قانون العمل عرّفت التدريب بأنه “مجمل التدريبات المهنية النظرية أو التطبيقية أو كلاهما لدى صاحب العمل، لاكتساب المهارات في مهنة أو حرفة معينة قبل الالتحاق بالعمل، بالإضافة إلى تدريب العمال أثناء خدمتهم، لرفع درجات مهاراتهم المهنية”. في حين تنصّ المادة 38 على أن عقد التدريب المهني يجب أن يكون خطياً، وأن يكون المدَّرَب حائزاً على المؤهلات والخبرات الكافية في المهنة أو الحرفة المراد تدريب العامل فيها، كما يجب أن يتوفر في المنشأة نفسها الشروط المناسبة للتدريب.
نماذج تطبيقية
في كلتا الحالتين، العمل الجزئي الخاص بالطلاب أو التدريب المهني، هناك نماذج قليلة طبقت في سورية، يمكن ذكرها من باب الإنصاف، غير أن أغلبها لم يدم طويلاً لأسباب عديدة، ومنها ما أشار إليها الدكتور منير عباس في السطور السابقة حول برنامج الساعات الطلابية الذي قامت به شركة سيريتل لفترة محدودة، مبيناً أن هذا البرنامج لقي نجاحاً كبيراً كحلّ مثالي لعمل الطلاب الذين يدرسون ويسعون لتأمين مورد لهم، ولكن بسبب عدم وجود نص قانوني يميز هذه الفئة من العمالة أُنهي البرنامج.
تجربة أخرى
وفيما يخصّ الجانب التدريبي، من المفيد الإشارة إلى تجربة غرفة صناعة حلب التي أطلقت برنامجاً تدريبياً لطلاب الجامعات، وهنا لفت مدير مركز تنمية الموارد البشرية وبناء القدرات في الغرفة، الدكتور أحمد قباني، إلى أن بعض الطلاب لا يملكون خبرة عملية لازمة لدخول سوق العمل وهذا يعدّ مشكلة كبيرة، إذ يرغب أغلب أصحاب العمل بالأفراد ذوي المعرفة والخبرة في مجال اختصاصهم، وخاصة فيما يتعلق بالمصانع والمعامل، وانطلاقاً من ذلك بادرت “صناعة حلب” لردم هذه الفجوة وتدريب طلاب جامعة حلب بكافة الاختصاصات، الهندسية والغذائية والكيميائية والنسيجية وغيرها.
مئات الفرص التدريبية
وأشار الدكتور قباني إلى أن الغرفة عملت على ربط الطالب بالصناعي، وأمّنت دورات سنوية، خلال فصل الصيف، لتدريب الطلاب، بحيث يعمل الطالب في مجال اختصاصه ويكتسب خبرة عملية وعلمية تفيده في مجالي الدراسة والعمل لاحقاً، ويستهدف البرنامج طلاب سنوات التخرج الذين يكون لديهم أساس نظري يمكنهم من التعامل مع متطلبات العمل، لافتاً إلى أن المتميزين خلال فترة التدريب يحظون بفرصة عمل حقيقية في المكان الذي يتدربون فيه، بحسب قباني، وبيّن أن البرنامج ساهم في ربط مشاريع التخرج بالمصانع، من خلال اختيار الطالب لمشروع يفيد بحلّ إحدى إشكاليات المصنع، وبالتالي يكون لفكرته تطبيق على أرض الواقع بشكل فعلي.
وأفاد قباني أن هناك نحو 300 إلى 400 طالب يدخلون سنوياً ضمن البرنامج، من المعاهد وحتى الكليات، ويجري العمل حالياً على إطلاق برنامج تدريب شتوي خلال العطلة الانتصافية.
الكليات التطبيقية
تجربة غرفة صناعة حلب هي بمثابة مثال حيّ وجواب لكلّ من يتساءل كيف يمكن أن يوازن طلاب الكليات التطبيقية بين العمل والدراسة، على خلاف طلاب الكليات النظرية الذين يسهل عليهم ذلك كونهم غير مطالبين بالتواجد ضمن المحاضرات، وأيضاً فإن التجربة تثبت أنه بالإمكان استثمار أفكار طلاب تلك الكليات في مشاريع خارجية خلال دراستهم تعود عليهم بالفائدة على كافة الأصعدة، وبهذا الخصوص أكد سليمان أنه يمكن تهيئة طلاب الكليات التطبيقية في سوق العمل أكثر من غيرهم، خاصة وأن هناك حاجة كبيرة لهم، كما هي الحال مع طلاب الهندسة الكهربائية والميكانيكية أو طلاب الكيمياء والزراعة وغيرها، مضيفاً أنه يمكن أن يشتغلوا على مشاريع علمية تربط النظري بالعملي وتغني معرفتهم وخبرتهم، كذلك تزيد العلاقة بين المراكز التعليمية والبحثية وسوق العمل.
استثمار للموارد
بالنتيجة نرى أن عمل الطلاب هو استثمار مستقبلي، وهذا ما أشار إليه أهل الخبرة والاختصاص الذين التقيناهم، مؤكدين ضرورة تنظيم بيئة حاضنة لهم وتوفير فرص عمل ملائمة، وفي النهاية، باتت العمالة الجزئية أمراً مهماً وضرورياً في كلّ مجتمع، وليصبح هذا النمط متداولاً بشكل رسمي لابد من وجود نص تشريعي يعبّر عنه بصريح العبارة ويحدّد مزايا العامل، من تأمينات وغيرها.
رغد خضور