جوقة الراعي الصالح تفوز بالمركز الأول في المسابقة الوطنية للجوقات السورية
ملده شويكاني
“يا مسافرة في البحر جايه ودعك”، الأغنية التراثية بأصوات جوقة الراعي الصالح، أضفت جمالية على أمسية ملتقى الجوقات السورية المشاركة بالمسابقة الوطنية الأولى للجوقات السورية ضمن الاحتفال بأيام الثقافة “تراث وإبداع” في دار الأوبرا، بمشاركة أربع جوقات وصلت إلى التصفية النهائية بالمسابقة، وهي أرجوان والراعي الصالح، وبحضور أرمني قوي من حلب لجوقتي زفارنتوس، وسبينتياريان.
وبأجواء حماسية وعلى وقع الموسيقا المتصاعدة ولحظات شائقة عاشها الجمهور وأعضاء الجوقات، أعلن المايسترو أندريه معلولي أن الفائز الأول جوقة الراعي الصالح القادمة من اللاذقية، بناءً على قرار أعضاء اللجنة المحكّمة والمؤلفة من المايسترو غادة حرب والمايسترو ميساك باغبودريان والمايسترو أندريه معلولي.
والجميل أن رأي اللجنة كان متوافقاً مع رأي الجمهور الذي شارك أيضاً باختيار الفائز بترديده “راعي”، وقدمت السيدة الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة درع المسابقة وشهادة التكريم لقائد الجوقة إلياس سمعان.
وقد اختارت كلّ جوقة ثلاث أغنيات من التراث السوري وغنتها بأسلوب كورالي، أي الغناء الجماعي وفق تعدّد الأصوات بين الإناث (سوبرانو- آلتو) والذكور (الباص- تينور)، وبالتناوب بين الإناث والذكور في مواضع، وبتناغم مقامات الصوت وتدرجاته، تخللتها الآهات وترنيمات صوتية وتمتمات بتقنية “الأكابيلا” –الغناء دون موسيقا- باستثناء بعض الأغنيات كانت بمرافقة البيانو، واعتمدت جوقة الراعي الصالح على الرق والكاتم.
روندو والدلعونا
بدأت جوقة “أرجوان” الحاصلة على جائزة عالمية والقادمة من طرطوس بقيادة بشر عيسى ومرافقة عازفة البيانو شذى طعمة بالأغنية الأولى، وهي أنموذج من الطقطوقة “يا نور حبك” التي درجت في مطلع القرن العشرين وانتشرت في كل مناطق سورية، وتأتي بقالب ثلاثي بسيط، اللحن الأساسي ثم تنويعات بلحن آخر ليعود اللحن الأساسي، فبعد مقدمة البيانو غنّت الفتيات بطبقة آلتو ومن ثم الشباب إلى الغناء الجماعي بترنيمات وتمتمات متناوبة بينهما، لتأتي القفلة الغنائية بامتدادات طويلة. تلتها “ع الروزنا” بقالب جديد “بريدو” مقدمة مع ثلاثة تنويعات على اللحن الرئيسي.
وجاءت الأغنية الثالثة من النمط الفلكلوري “دلعونا” بقالب روندو بثلاث حركات بتدرج بالحركتين الأولى والثانية على مقام النهاوند ثم الحجاز، فبدأت الأولى بتمتمات “دوم– تك” ومن ثم الثانية بالتدرج من الدرجة المنخفضة إلى الأعلى، لتأتي الحركة الثالثة برقصة بموسيقا الصوت.
التراث الأرمني
أما جوقة “زفارنتوس” الأرمنية القادمة من حلب بقيادة سيمونيان ديريان بمرافقة البيانو، فاختارت الأغنية الأولى “لولو بلولو” بمقدمة البيانو وترديد الشباب بالآهات ثم غناء الشابات، مع ترنيمات خافتة ترافق البيانو، ثم “بالي معاك بالي بالي” بتوزيعات وانتقالات صوتية، والأغنية الثالثة كانت باللغة الأرمنية من التراث الأرمني الذي يعدّ جزءاً من التراث السوري.
مقطوعة آلية
وشاركت “الراعي الصالح” مع آلتي الإيقاع الرق والكاتم بقيادة إلياس سمعان بأغنية من تراث اللاذقية الغنائي، “يامسافرة ع البحر جايه ودعك” مع الآهات وتوظيف تقنية غناء جزء من الكورال ضمن الغناء، وتكرار مفردة “يا مسافرة” بجمل صوتية مختلفة، لتأتي القفلة الغنائية يا مسافرة مع متتالية إيقاعية. وزادت جمالية الغناء بالأغنية الثانية “بين الرضى وبين الدلال” مع التنويعات الصوتية والفاصل الإيقاعي وتخللتها مقاطع غناء إفرادي.
المشاركة الثالثة لم تكن أغنية، وإنما مقطوعة من ألحان تشايكوفسكي، وهي مقطوعة آلية حوّلت للكورال بتناغم صوتي وتمتمات وتدرجات صوتية.
الموشح وانتقالات الصوت
كما شاركت جوقة “سبينتياريان” بقيادة مارغريت خجادريان بندك من حلب من أجيال مختلفة بمرافقة البيانو، بموشح “لما بدا يتثنى” مع الآهات وتوزيع الأصوات وترديد مفردات الموشحات “أمان أمان” وتدرجات بالقفلة مع البيانو.
الموشح الثاني “يا غزالاً قد جفاني” وزع بطريقة غربية لانتقالات الأصوات، وبدور البيانو بالمقدمة والفاصل، وكان للوصلة من التراث الأرمني باللغة الأرمنية للموسيقار سيفان شكريان تأثير رائع على الجمهور لإيقاعها الصوتي الحركي والرقص بالمكان.
التراث البيزنطي
وبعد إعلان النتيجة ولقاء الجوقات على المسرح، أهدى قائد جوقة الراعي الصالح الجمهور أغنية فرحاً بالفوز من التراث اليوناني تعود إلى التراث البيزنطي القديم بعنوان “أحبك”، وقد رافقت انتقال سكان من منطقة إلى أخرى وارتبطت بآلتين الكلارينيت والسنطور في كل المناطق.
إلى روح المايسترو حسام بريمو
المايسترو أندريه معلولي تحدث عن مشروع ملتقى الجوقات الذي تبنّته السيدة الدكتورة لبانة مشوّح لما له من دور في حفظ التراث السوري في كل المحافظات، وفي تلاقي الشباب وتبادل الأفكار، وتعرّيف الجمهور بخصائص الغناء الجماعي. وتابع عن المسابقة التي تقام لأول مرة بمشاركة أربع جوقات وصلت إلى التصفية النهائية من أصل عشر جوقات قدمت أعمالاً تراثية بتقنية أربعة أصوات.
وأهدى المايسترو معلولي هذا الملتقى لروح المايسترو حسام بريمو الذي أسّس للغناء الجماعي في سورية وأسّس عدداً من الجوقات.
مهمة صعبة
وأشار إلى أن كلّ الجوقات التي شاركت قدّمت أداء جيداً، وهذا يدلّ أن كل المحافظات السورية غنية بالفنّ الذي نسعى لتطويره.
كما أشارت المايسترو غادة حرب إلى صعوبة المهمة كون الجوقات من مستوى متقارب، والفارق بتفاصيل صغيرة.
مخطط عمل
وفي حديث إلياس سمعان مدرّب وقائد جوقة الراعي الصالح لـ”البعث” أعرب عن سعادته التي لا توصف بحصول الجوقة على المرتبة الأولى، وهذه مبادرة إيجابية تضيف للجوقة مخطط عمل لتكون أكثر اجتهاداً، وعقّب بأن اللاذقية غنية جداً بتراثها الغنائي الذي سيحافظ عليه، وسيعمل مع أعضاء الجوقة على أن يكونوا جسر وصل بين الماضي والحاضر.
ارتباط الأرمن بسورية
أحد أعضاء جوقة سبينتياريان أشار إلى غناء الموشحين اللذين قام بتوزيعهما موسيقيان من الأرمن، وهذا يؤكد أن الأرمن والسوريين شعب واحد وارتبطا عبْر التاريخ منذ القدم، وما قدّمه الأرمن في الحرب الإرهابية يدلّ على هذا.