روسيا في موقف قوي… لماذا؟
هيفاء علي
أشاد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مؤخراً بالقوات المسلحة والأسلحة الروسية، لكنه ألمح إلى أن بلاده لن تسمح لموسكو بتحقيق النصر، وأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب أوكرانيا طالما استمر الصراع، وأصرّ على أن نتيجة ذلك “ستحدّد مسار الأمن العالمي في هذا القرن الجديد”.
هذا الكلام ردّ عليه أحد المحللين الروس، لافتاً النظر إلى حقيقة أن القوات العسكرية الروسية الحقيقية لم تشارك حتى الآن في أوكرانيا، مضيفاً أن كلّ تصريحات الغرب عن روسيا هي مجرد دخان ومرايا تظهر خسارة كاملة للمخطط، لأن كل “الخطط” الغربية بشأن الهزيمة العسكرية والاقتصادية لروسيا فشلت بسبب عجز الغرب في الحسابات والتعلم. لذلك -وبحسب المحلل الروسي- يجب على أوستن، إلى جانب كبار المسؤولين الأمريكيين الآخرين، بطريقة ما حفظ ماء الوجه كما يلي: “إعادة تأكيد رغبتهم في تجنّب الصراع المباشر مع روسيا، والكفّ عن مواصلة دعمهم لأحبائهم النازيين في كييف، والأمر الثالث والأخير، التعامل بطريقة ما مع الكارثة الاقتصادية المستمرة”.
من جهته، أشار ديمتري ميدفيديف إلى أن الجميع سئموا من نظام كييف، ولاسيما زيلينسكي العصابي، الذي يواصل إثارة التوتر، ويشتكي ويبتز الغرب بطلب المزيد من الأموال والأسلحة. وأضاف ميدفيديف أن زيلينسكي يتصرف كطفل هستيري يعاني من مشكلات في النمو. ورغم كلّ ذلك، لا تريد الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، قطيعة كاملة مع روسيا، الأمر الذي قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، ومن هنا جاءت المحاولات المتكررة لاحتواء نظام كييف، وإعادته إلى رشده، لدفعه للتفاوض. واقترح ميدفيديف أنه من خلال رفض التحدث مع روسيا، فإن زيلينسكي يسعى في الواقع إلى تحقيق أهداف أكثر دنيوية وأنانية. وأضاف أنه إذا لم يقبل زيلينسكي، فلا فائدة من الجلوس على طاولة المفاوضات وإذا قبل ذلك، فسيتمّ القضاء عليه من قبل قومييه، المرتبطين برتب عالية في الجيش.
وعلى عكس ما تناقلته وسائل الإعلام المضللة، فإن ميزان القوى في أوكرانيا لا يزال مواتياً إلى حدّ كبير لروسيا، خاصةً وأن العقوبات الغربية فشلت فشلاً ذريعاً، فالاقتصاد الروسي صامد، والروبل أقوى من أي وقت مضى، وصادرات النفط والغاز تحقق أرباحاً أكثر من أي وقت مضى بالنسبة لروسيا. لذلك أولئك الذين أرادوا “إركاع روسيا” واهمون، ومحاولة عزل روسيا دولياً فشلت هي الأخرى فشلاً ذريعاً. حتى دول الجنوب التي تشكل الثقل الديموغرافي -الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا وباكستان وإيران ونيجيريا وإثيوبيا وفيتنام وغيرها- لا تشارك في الحملة ضد روسيا، وتتعاون أكثر من أي وقت مضى مع موسكو سياسياً واقتصادياً.
وفي حساب الخسارة والربح، فإن نسبة الخسائر العسكرية على الأرض من 1 إلى 5 على حساب القوات الأوكرانية، كما أنه لم تكن لروسيا مصلحة في تسريع الحركة، فقد عرفت كيفية تنفيذ الانسحابات التكتيكية اللازمة، حتى لو كان ذلك يعني السماح للناتو بالتباهي بالنصر، لكن حرب الاستنزاف هذه تفيد القوات الروسية التي بدأت بالفعل هجوماً جديداً في دونباس.
لقد بدأت الولايات المتحدة تدرك أن نهج كييف المتشدّد يأتي بنتائج عكسية لثلاثة أسباب: أولها أن الأوكرانيين لم يستعيدوا دونباس وشبه جزيرة القرم، وثانيها أن جيشهم منهك في الهجمات التي أودت بحياة المدنيين، والأمر الثالث أن تمويل هذه الحرب بالوكالة يتطلب تكاليف باهظة، ولاسيما في بيئة ستتحول إلى ركود اقتصادي عالمي. لذلك في حال انتهى الصراع بهزيمة أوكرانيا، فسيكون الناتو والولايات المتحدة في حالة لا يحسدان عليها.