دراساتصحيفة البعث

أزمات للتغاضي عن الأخطاء!

عناية ناصر 

لا تقوم بعض النخب في واشنطن بأية محاولة لتحسين أدائها عند مواجهة المنافسة مع الصين والتعامل مع المشكلات المحلية، بل إنهم ينذرون أنفسهم لإسقاط الصين من خلال ارتكاب أعمال تخريبية، حيث تأمل الولايات المتحدة إنقاذ نفسها من خلال تدمير الآخرين، بدلاً من العمل على حلّ مشكلاتها من خلال إدارة الأزمات والسيطرة عليها.

لقد خلقت الولايات المتحدة العديد من الأزمات في علاقاتها مع الصين، وفي حال لم تتعامل واشنطن معها بشكل صحيح، فلن تعاني الصين فقط، بل ستعاني الولايات المتحدة نفسها أكثر.

في هذا السياق، حذّر وزير الخزانة الأمريكي السابق، لورانس سمرز، صانعي السياسة الأمريكيين من مهاجمة الصين، بدلاً من التركيز على بناء نقاط القوة الاقتصادية للبلاد في المنافسة مع الصين، ونقل عنه مؤخراً قوله، وفقاً لتقرير “بلومبيرغ”: “إذا حولنا تركيزنا من بناء أنفسنا إلى تدمير الصين، أعتقد أننا سنقوم باختيار محفوف بالمخاطر ومؤسف للغاية”.

حتى الآن، يكمن تركيز واشنطن على “هدم الصين” بدلاً من التركيز على ابتكاراتها وبنيتها التحتية وتعليمها وتحدياتها في التناقضات الهيكلية للنظام السياسي الأمريكي، حيث أصبحت الولايات المتحدة الآن عالقة في معضلات مثل فقدان القدرة على التصنيع، وتفريغ الصناعات المحلية، والتوزيع غير المتكافئ للمكاسب من التجارة العالمية بين المجموعات المختلفة في البلاد.

من هنا، سيؤدي التوسّع المفرط في رأس المال المالي بالنسبة للولايات المتحدة، الدولة الرأسمالية الأولى، حتماً إلى ظهور المشكلات المذكورة أعلاه، فإذا كانت الولايات المتحدة تريد تحسين نفسها كما اقترح سمرز، فيجب عليها التغلب على قيود نظامها، وتنفيذ إصلاحات محلية للحدّ من التوسع المفرط في رأس المال المالي، وتنفيذ سياسة ضريبية أكثر عدلاً، وإدارة فجوة توزيع الدخل الواسعة بين المجموعات المختلفة.

كما تحتاج أيضاً إلى تخطيط وتوجيه الابتكار الوطني من خلال السياسات من أجل تعزيز الإبداع والقدرة التنافسية للبلاد. ومع ذلك، ما لم تصبح الولايات المتحدة دولة اشتراكية، فمن الصعب تحقيق ذلك في ظل إطارها الرأسمالي الحالي، كما قال شين يي، الأستاذ في كلية العلاقات الدولية والشؤون العامة بجامعة “فودان”.

وأضاف شين: تتطلب الإصلاحات تكاليف قصيرة الأجل، ولكن في ظل النظام الأمريكي الحالي، حيث تواجه الأحزاب السياسية ضغوطاً لكسب المزيد من الأصوات في الانتخابات، لا يمكن تنفيذ أي إصلاحات تتطلب تكاليف قصيرة الأجل في الولايات المتحدة ما لم يتوصل الطرفان إلى إجماع.

الحلّ الأبسط لكلا الحزبين هو “خداع” الرأي العام الأمريكي بأن الولايات المتحدة تسير بسلاسة، وأن العقبة الرئيسية أمام تنمية الولايات المتحدة هي دولة “شريرة”، حيث يزعم كلّ من الجمهوريين ونظرائهم الديمقراطيين أنه يمكنهم المساعدة في التعامل مع الدولة “شريرة” إذا تمّ انتخابهم، وذلك لإيجاد حلّ لمأزقهم الحالي، وللفوز في الانتخابات، كثف الحزبان خطواتهما لاحتواء الصين.

في واقع الأمر، لا يوجد شيء معقد بشأن الحلّ المناسب للولايات المتحدة، والعديد من النخب، بما في ذلك سمرز، تدرك ذلك الأمر تماماً. وفي هذا الخصوص أشار شين إلى أن الولايات المتحدة تبدو وكأنها في “حالة شلل”، حيث يبدو الدماغ في الواقع رصيناً، لكن الجسم غير معافى، ولا يستطيع العمل وفقاً لأفكار الناس. وبناءً على ذلك تمت صياغة قلق واشنطن الاستراتيجي فيما يتعلق بسياسة الصين، حيث تمّ إعطاء صانعي القرار بعض النصائح السخيفة بعقلية المقامرة القوية والمضاربة.

علاوة على ذلك، تحدّد فترة الولاية والانتخابات في الولايات المتحدة أن الحكومة لديها وقت محدود للغاية لتنفيذ سياسات عملية، حيث يتمّ إنفاق الكثير من الوقت في الانتخابات وتمرير المسؤولية، كما أن مثل هذه الطبيعة للألعاب السياسية الأمريكية تحدّد أيضاً أن واشنطن لديها القليل من الوقت لإجراء تغييرات ملحوظة.

عندما تتوصل الولايات المتحدة بأكملها إلى إجماع جديد، وتدرك أن مشكلات الولايات المتحدة لا تكمن في الصين، بل في الولايات المتحدة نفسها، عندئذ يمكن للولايات المتحدة إجراء تغييرات جوهرية في سياستها تجاه الصين، لكن حتى يأتي ذلك اليوم، لن يحدث ما اقترحه سمرز.