لا جدوى من البلديات..!!
علي عبود
قلناها مراراً وتكراراً: إن الشغل الشاغل لعمل البلديات كان، ولا يزال، نشر المخالفات في طول البلاد وعرضها، سواء في المدن أم في الأرياف، وتساءلنا سابقاً، ولا يزال سؤالنا مطروحاً حتى يثبت العكس: ما جدوى البلديات؟!
ونعتقدُ أن مواطنين كثيرين لديهم تجارب مملّة مع رؤساء بلديات رفضوا قمع مخالفات تلحق الضرر بالناس، وتُشوّه المناطق والأحياء والأسواق والشوارع الواسعة، والطرقات، وحتى الأزقة الضيقة!.
وعندما يصل حجم المخالفات إلى بناء عمارات بمواصفات تؤول إلى انهيارها لاحقاً على رؤوس سكانها، فهذا يؤكد قناعتنا بأنه لا جدوى من البلديات، إلا إذا كان عملها الوحيد هو التشجيع على نشر المخالفات الجسيمة وتشويه التراث والعمارة!
وتثبتُ الحادثة الأخيرة، التي أدّت إلى وفاة الشابة المهندسة ندى داؤود غرقاً بمياه مجرور صحي مكشوف، استهتاراً لا محدوداً للبلديات بحياة الناس، بل هذا الأمر آخر اهتمامات البلديات!
صحيح أن المسؤولية المباشرة تقع على إدارة الشركة العامة للصرف الصحي لتقصيرها وإهمالها بتغطية مؤقتة لفوهة المجرور بلوح معدني مثلاً، لكن المسؤولية الفعلية تقع على الجهة المشرفة على التنفيذ، أي البلدية التي كان يُفترض أن تلزم الشركة باتباع عوامل السلامة والأمان.
والسؤال: ألم يسترعِ انتباه أي عضو في مجلس محافظة اللاذقية وجود فوهات واسعة، سواء مطرية أو صرف صحي تهدّد بسقوط الأطفال وليس النساء والشبان فقط في الليالي المظلمة؟
لا يمكن إلقاء اللوم على الطبيعة والأمطار والسيول المفاجئة، فالأرصاد الجوية حذّرت من قدوم منخفض جوي شديد تصحبه أمطار غزيرة وعواصف وسيول، وبالتالي كان على مجلس المحافظة، بحضور رؤساء البلديات، توقع الأسوأ لاتخاذ الاحتياطات اللازمة، وأقلها إغلاق الفوهات المفتوحة في الشوارع والطرقات حتى لا تخفيها السيول عن أنظار الناس فيسقطون في غياهبها فلا يخرجون منها إلا أمواتاً!!
وكما يحصل مراراً وتكراراً عند وقوع الكارثة، كانهيار أبنية مخالفة تؤدي إلى ضحايا، تستيقظ الجهات الحكومية المعنية من سباتها، فتتخذ إجراءات بحق المقصّرين والمخالفين، وتعدنا بعدم تكرارها مستقبلاً!!
نعم، ماذا يفيد ذوي الشابة المقتولة ندى بفعل إهمال وتقصير الإدارات المحلية وبشكل محدّد البلدية “أن تتخذ الجهات الحكومية الإجراءات القانونية بحق المقصرين بتنفيذ مشروع التصريف المطري في منطقة أوتستراد الثورة بمحافظة اللاذقية وعدم استكماله، والذي أدى إلى وفاة الشابة المهندسة ندى داؤود جراء سقوطها في إحدى قنوات التصريف المطري المفتوحة وإحالتهم إلى القضاء المختص”؟
وماذا يفيد أيضاً “إلغاء تكليف المهندس طلال أحمد غانم بوظيفة مدير عام الشركة العامة للصرف الصحي في محافظة اللاذقية نتيجة تقصيره في أداء عمله والمهام الموكلة إليه ومتابعة تنفيذ خطة عمل المؤسسة والمشروعات التي تقوم بها وعدم اتباع إجراءات السلامة العامة في تنفيذ المشروعات.. إلخ”؟
الإجراءات الفعالة تُتخذ سابقاً وليس لاحقاً، وهذه مشكلة معظم الجهات الحكومية، ولو انشغلت وزارة الإدارة المحلية بمتابعة أعمال المجالس المحلية، وبشكل خاص البلديات التي هي على علاقة مباشرة بالناس، لما أهملت إجراءات الأمن والسلامة التي تحفظ حياة البشر بدلاً من أن تنصب لهم فخاخ الموت!.
وإذا كانت وفاة الشابة ندى استأثرت باهتمام الرأي العام، وألزمت الجهات الحكومية باتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية بحق المقصّرين والمهملين، فإن هناك الكثير من الضحايا الآخرين بفعل التقصير والاستهتار بحياة الناس لم يُحاسب المتسبّبون بها عن فعلتهم وطواها النسيان!
الخلاصة: لا يستهين أحد بقوة وتمدّد رؤساء البلديات، فهم يُعيّنون غالباً، إن لم يكن دائماً، بقوة بعض المتنفذين، وقد سبق وكنت شاهداً ومتابعاً لقيام رئيس بلدية سابق بالتهجم الجسدي على أحد سكان البناء الذي يسكنه لاعتراضه على ضمّ الحديقة لمنزله الأرضي الذي كان اشتراه حديثاً. وعلى الرغم من وضع محافظ دمشق السابق أولاً، ثم وزير الإدارة المحلية السابق ثانياً، بما جرى، فقد كوفئ رئيس البلدية المرتكب، بدلاً من إعفائه، بنقله إلى دائرة خدمات أخرى أكبر وأدسم؟!!