Uncategorizedالصفحة الاخيرةصحيفة البعث

ما مستقبل السينما السورية كذاكرة زمكانية؟

غالية خوجة

الإبداع مذاهب ومدارس مختلفة ومتنوعة ومتداخلة، وللواقعية سحرها، أحياناً، خصوصاً، عندما تصبح ذاكرة للإنسان وبيئته وطريقة تفكيره وحياته الشخصية والاجتماعية وهويته الوطنية، إضافة إلى توثيقها للذاكرتين الزمانية والمكانية، وهذا ما لمسناه في الكثير من الأعمال الفنية التشكيلية المحلية والعربية والعالمية، والكتابات الروائية والقصصية والشعرية، و”النوتات” الموسيقية، والأغاني بين اللهجة والفصحى، والأعمال المسرحية الكلاسيكية والتجريبية، والأعمال المخصصة للشاشات ابتداء من السينما، عبوراً بالتلفاز، وصولاً إلى مختلف الشاشات الالكترونية.

وتبدو ملامح المكان والزمان والإنسان والمجتمع موثقة في التراث السينمائي السوري الذي انطلق منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، مع العديد من الأفلام منها “سائق الشاحنة”، و”المخدوعون”.

ولمتابع هذين الفيلمين اللذين عرضا في أيام الثقافة السورية “تراث وإبداع” أن يشعر بأن الحياة مع “سائق الشاحنة” ـ وأدى دوره خالد تاجا ـ كيف تنتقل بنا من بيئة اجتماعية بسيطة، تتلخص أهدافها في طموح البطل لأن يكون سائقاً لا معاوناً، وأن يتزوج ابنة عمه “وردة” التي تعمل لتحسين وضع أسرتها المعيشي، فتتداخل الأحداث بين حياة أهل الريف وأهل المدينة التي هي اللاذقية كمكان يظهر بلقطات مصورة وهو يسافر بنا عبْر الطريق الخطرة المتعرجة الخضراء القديمة، وبين الميناء والأمواج والمراكب والبيوت القديمة وأسرار ساكنيها، موثقاً لحالة إضراب السائقين من أجل الحصول على تأمين للشيخوخة.

بالأبيض والأسود التوثيقي تظهر ذاكرة المكان كما تظهر سعادة “وردة” بفرحة طفولية عندما ترى البحر لأول مرة، فتكبر الأحلام الريفية، وتعكس حبكتها وتفاصيلها ومشاهدها الصامتة والطبيعية والكلامية، فلا يخرج المونولوغ أو الديالوغ عن منطوق الشخصيات، ولا نشعر بأن هناك مشهداً مفتعلاً لكسب المزيد من الوقت والوصف والإطالة، بل يجذب الفيلم المتلقي والمشاهد ويمنحه تخيلاً ليقارن بين الأدوات الفنية القديمة التي صنعت الفيلم وطريقة مونتاجها وإخراجها، وبين الأفلام المعاصرة مع توفر الأدوات التقنية الحديثة المختلفة، لنجزم بأن الجدية الفنية بأهدافها وموضوعها وممثليها وفريق العمل الكلي هي محور العمل الإبداعي لا المدرسة أو المذهب.

وهذا ما نراه ونلاحظه في فيلم “المخدوعون” أيضاً المأخوذ عن رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”، والذي يناقش طموح تحسين الوضع المعيشي للشباب الفلسطيني الراحل إلى الكويت خلال سبعينيات القرن الماضي، وعذاباتهم مع الاحتلال والحياة والسفر.

ولقد تعايش الممثلون مع أدوارهم لتبدو واقعية، ومنهم عبد الرحمن آل رشي، لدرجة الإقناع الذي يدفعنا لكثير من الاستفهامات، مثل: ما الذي تغيّر على الواقع الفلسطيني والعربي منذ تاريخ الفيلم؟ وما مستقبل فلسطين؟ والأمة العربية؟ وكيف نعالج الأخطاء الاستراتيجية على المستوى العالمي؟

لقد احتضنت سوريتنا الحبيبة منذ البداية الإنسان المبدع عربياً وعالمياً، ومنها المؤسسة العامة للسينما التي احتضنت المخرج العربي المصري توفيق صالح ورواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني والقضية الفلسطينية، وكذا فعلت مع المخرج اليوغسلافي بوشكو فتشينكش وفيلم سائق الشاحنة، مع زاوية الرؤية لنجاة قصاب حسن كمدير للتصوير اهتمّ باللقطات الكلية والجزئية بفنية.

والملفت أن السينوغرافيا ومنها الموسيقا تناغمت مع المشهدية التي كان بعضها بخلفية صامتة، أو متماوجة مع أصوات الطبيعة، ما يجعلنا نتساءل: لماذا آلت السينما إلى ما آلت إليه إذا كانت البدايات السينمائية بهذه القوة رغم الأدوات البسيطة التي تطورت في زمننا التكنولوجي؟ هل لأن الاندفاع الخالص نحو السينما لم يعد كما كان بلونيه الأبيض والأسود؟ ورغم فوز بعض الأفلام السورية المعاصرة بعدة جوائز، يظل السؤال: كيف ننجز أفلاماً سينمائية أكثر منافسة محلياً وعربياً وعالمياً، موقنين بأنها، يوماً، ستصبح ذاكرة تراثية سينمائية؟