أمريكا اللاتينية تصدم الولايات المتحدة
د. مهدي دخل الله
يركز الرأي العام عندنا على مدى النفوذ الأمريكي في منطقتنا ، مضيفاً إليها أوروبا بعد العملية الروسية في اكرانيا ، وكذلك الصين بعد التوتر حول تايوان . لكن ما يحصل في أمريكا اللاتينية أكثر أهمية بالنسبة لزعيمة الهيمنة في العالم . بل إن تلك المنطقة كانت تحظى بالأولوية في سياسات أمريكا واستراتيجايتها منذ نظرية الرئيس جيمس مونرو الانعزالية (1817 – 1825) وحتى الحرب العالمية الثانية .
أخر صدمة تلقتها واشنتُن هي عودة الرئيس لويس اوناسيو لولا دي سيلفا إلى الحكم في البرازيل منتخباً من الشعب / تشرين الأول 2022 / ، وقبل ذلك انتصار رئيس اشتراكي في انتخابات كولومبيا / آيار الماضي / هو غوستافو بترو . بل هناك صدمات أتت من أمريكا الوسطى الواصلة بين الشمال والجنوب ، على سبيل المثال انتخابات نيكارغوا قبل عام حيث نجح دانييل اورتيغا المعادي لأمريكا .
وإذا أضفنا إلى هذه المجموعة فنزويلا ، تتضح الصورة القاتمة للنفوذ الأمريكي في أمريكا اللاتينية . الدول الثلاث التي خسرتها أمريكا هي الدول الأكثر أهمية في القسم اللاتيني من القارة الأمريكية . فنزويلا من كبار منتجي النفط وعضو في ( أوبك ) ، كولومبيا هي الدولة المكملة لفنزويلا ، بل هي الدولة الأم في هذه الثنائية البوليفارية ، والرافع الأهم لراية استقلال أمريكا اللاتينية من الاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر . أما البرازيل فهي في مكانة الروح من الجسد جغرافياً وديموغرافياً ، لأنها الأكبر على الإطلاق ( أكثر من 8 مليون كيلو متر مربع ، وأكثر من 200 مليون عدد من السكان ) ..
من هو لولا دي سيلفا ؟؟ .. هو رجل من عامة الناس ، وكان يعمل ماسحاً للأحذية ، وقد تم انتخابه عام /2003/ رئيساً للبرازيل ، حيث بدأ بتطبيق مشروع طموح له جانبان : الأول طرد صندق النقد الدولي من البرازيل ( أي مواجهة الهيمنة ) ، والثاني القضاء على الفقر ( المشروع موجود في كتاب من تأليفه عنوانه ” الفقر صفر ” ) . وهو القائل قولاً يصل حد الحكمة : « التقشف ليس أن تدفع الجميع نحو الفقر ، بل هو أن تستغني الدولة عن الكثير من الرفاهيات لدعم الفقراء »..
حضرت في إطار وفد حزبي عام /2008/ مؤتمر حزب العمال في ساوباولو ، وهو الحزب الذي أسسه ويرأسه لولا دي سيلفا . عندما اعتلى الرئيس منصة الخطابة ، قال : « أنتم تلاحظون عدم وجود أي شعار على الحائط يطالب بطرد صندوق النقد الدولي ، وذلك لأننا طردناه تماماً من بلادنا وانتهينا منه »..
أثناء لقائنا معه بعد المؤتمر ، تحدث حديثاً ودياً عن سورية ، وعبّر عن إعجابه بنهج الرئيس الأسد في قيادة البلاد ، مركزاً على أهمية دور الجالية السورية الكبيرة في البرازيل . بعد انتهاء فترته الرئاسية تحركت القوى التابعة لأمريكا ، وسجنته بتهمة الفساد عام /2016/ ، لكنه اليوم رئيس من جديد بما يؤكد أن هيمنة أمريكا ليست قدر هذا العالم .
mahdidakhlala@gmail.com