لافروف: “ناتو” يسعى لفرض سيطرته على سائر أنحاء العالم
موسكو – تقارير:
لا شك أن الدول الأوروبية من خلال محاولتها وضع حواجز من الخوف مع روسيا، والاستمرار في سياستها الرامية إلى محاصرتها واستعدائها، فضلاً عن نشرها على نحو محموم ظاهرة “روسوفوبيا” في المجتمع الغربي، وفرضها مزيداً من العقوبات على موسكو، تساهم بشكل فعّال في تدمير نظرية الأمن الأوروبية التي يدّعي المشرّعون الأوروبيون أنها وسيلة من وسائل تحقيق الأمن المتكافئ للجميع، وفي الحقيقة هم مستمرّون في السعي إلى تحقيق هذا الأمن عبر مزيد من الهيمنة ورفض الآخر، وهذا يحتّم طبعاً على بقية دول العالم النظر أيضاً إلى موضوع الأمن بما يتناسب مع مصالحها.
ومن هنا أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن حلف شمال الأطلسي “ناتو” يسعى لفرض هيمنته على سائر أنحاء العالم، وهو كان يراهن على عدم قدرة روسيا على استعادة مكانتها.
وقال لافروف في مؤتمر صحفي اليوم في موسكو حول قضايا الأمن في أوروبا: إن توسع حلف الناتو أدّى إلى فقدان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أهميتها ودورها في المنطقة، والغرب لم يتخذ أيّ خطوة لوضع اتفاقيات دولية تهدف إلى تحقيق توازن المصالح في العالم، ومن غير المحتمل أن يكون من الممكن استئناف العمل المشترك مع الغرب في مجال الأمن الأوروبي، وبالتالي لن يكون هناك أي وجود للعمل كالمعتاد.
وانتقد لافروف الرئاسة البولندية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بالقول: أستطيع أن أقول بمسؤولية إن مناهضة رئاسة بولندا لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ستأخذ مكاناً غير لائق في تاريخ المنظمة، إذ لم يتسبّب أحد بمثل هذا الضرر لها أثناء توليه قيادتها.
وتابع لافروف: من الواضح تماماً أنهم يخترعون الأساطير والأسماء ويحاولون إخفاء توجّههم المعادي لروسيا كما يقتربون أكثر فأكثر من حدودنا في بحر البلطيق والبحر الأسود ويقومون بتدريبات برية إلى جانب عدد من الإجراءات الأخرى على الأراضي المجاورة لروسيا بما في ذلك بولندا.
ووفقاً للوزير الروسي، فإن حلف الناتو يقوم بنقل خط دفاعه إلى الشرق باتجاه بحر الصين الجنوبي، وذلك مع الأخذ بالحسبان خطاب واشنطن وبروكسل وأستراليا وكندا وبولندا أن بحر الصين الجنوبي أصبح الآن إحدى تلك المناطق التي لا يُستبعد أن يقوم الناتو كما فعل في أوكرانيا بزيادة التوتر فيها.
وأشار وزير الخارجية الروسي إلى أن الدول الغربية بذلت جهوداً منذ سنوات عديدة لمنع بناء نظام أمن أوروبي متساوٍ وغير قابل للتجزئة على الرغم من كل التعويذات التي صدرت في إطار الإعلانات السياسية، وقال: إننا نحصد الآن ثمار هذه السياسة الخاطئة التي تتسم بقصر النظر على الإطلاق.
وأكد لافروف قناعته بأنه تم انتهاك روح ونص الوثائق الأساسية للمنظمة وتم إنشاؤها في أوروبا في وقت من الأوقات لبدء حوار بين أطراف عموم أوروبا، وكل ذلك يثير أسئلة معقدة حول الشكل الذي ستكون عليه علاقاتنا معها، بل ربما تكون أكثر أهمية مسألة ما سيحدث لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا نفسها.
وأشار لافروف إلى أن الأمر لا يتعلق بالحصول على المزيد من العائدات من نفطنا اليوم، ولكن يتعلق بالانتقال إلى بناء نظام لا يعتمد على الأساليب الاستعمارية الجديدة، ونحن نفعل ذلك مع زملائنا في دول مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون ومن خلال علاقاتنا الثنائية مع الصين ومع إيران والهند ودول أخرى، لافتاً إلى أن روسيا سبق أن صرّحت على مختلف المستويات بأنها لن تورّد النفط لتلك الدول.
وفي الشأن الأوكراني، قال وزير الخارجية الروسي: إن الولايات المتحدة برفضها النظر في المقترحات التي طرحتها موسكو في كانون الأول الماضي بشأن الضمانات الأمنية، قد فوّتت فرصة لتفادي التصعيد.
وأعاد لافروف إلى الذاكرة خلال مؤتمر صحفي في موسكو اليوم الخميس، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقدّم قبل عام تقريباً بمقترحاتٍ جديدة بشأن الضمانات الأمنية تتمثل في مشروعي اتفاقيتين مع كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو.
وأوضح لافروف أنه نظراً لسعي الغرب الواضح لضمّ أوكرانيا إلى الناتو، وهو كما كان معروفاً للجميع، خط أحمر بالنسبة لروسيا، اقترحت موسكو للدول الغربية التخلي عن توسيع الناتو والاتفاق على ضمانات أمنية محدّدة وملزمة قانونياً لأوكرانيا وروسيا وجميع الدول لأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وتابع الوزير الروسي: إن الغرب رفض حتى بحث هذه المقترحات وظل يردّد مقولة أن “كل دولة ولاسيما أوكرانيا لها الحق في الانضمام إلى الناتو”، متجاهلاً مبدأ الأمن المتساوي وغير القابل للتجزئة وعدم جواز ادّعاء أي منظمة الهيمنة في أوروبا.
وقال: “بذلك كانت واشنطن قد اختارت في كانون الأول الماضي عدم اغتنام فرصة حقيقية لمنع التصعيد”.
وفي سياق متصل، أعلن لافروف أن الأمريكيين هم من بادروا بتسريب بيانات حول قناة الاتصال بين رئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
وتابع الوزير: إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت هي من يصرّ على سرية قناة الاتصال بين مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز ورئيس جهاز المخابرات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين، إلا أنها بدأت بعد ذلك في التسريبات.
وقال: “اقترح الزملاء الأمريكيون عقد اجتماع ما بين بيرنز وناريشكين، واتفقنا على ذلك. وأخبرنا الأمريكيون أنفسهم عشر مرات بضرورة أن تكون هذه القناة سرية تماماً، ولا ينبغي الإعلان عنها حتى لا يعرف أحد أي شيء، حتى تكون قناة جادة، ولا تتعرّض لأي دعاية خارجية ومكائد إعلامية. اتفقنا، ولكن بمجرد وصول المسؤولين إلى أنقرة، تسرّبت الأنباء على الفور، لا أعرف من أين، من البيت الأبيض، من الخارجية، لا أعرف. لكن الخبر تسرّب”.
وفيما يخص الحرب التي يخوضها الغرب ضدّ وسائل الإعلام الروسية، قارن وزير الخارجية الروسي بين منطق قصف “الناتو” لمبنى التلفزيون في بلغراد عام 1999، وعدم منح صحفيي RT و”سبوتنيك” اعتماداً صحفياً لحضور مؤتمر صحفي للرئيس الفرنسي.
جاء ذلك ضمن تصريحات لافروف اليوم الخميس خلال مؤتمر صحفي عقده في موسكو، حيث قال: إن التفسير الذي قدّمه الغرب لقصف مبنى التلفزيون وبرج البث في بلغراد كان بسيطاً للغاية وهو أن هذا التلفزيون “يبثّ الدعاية ويدعم روح الجيش اليوغسلافي”، وتابع الوزير: “المنطق نفسه يتم استخدامه الآن في فرنسا، بينما يتم رفض اعتماد RT و(سبوتنيك) بأمر من الرئيس ماكرون، لتغطية المؤتمر الصحفي في قصر الإليزيه، لأن الرئيس الفرنسي قال شخصياً: لن نسمح لهم بالدخول، فتلك ليست وسائل إعلام وإنما وسائل دعاية”.
وأنهى لافروف حديثه متمنياً: “أتمنّى ألا يقصفوا فرع RT و(سبوتنيك) في أوروبا كما فعلوا في يوغوسلافيا”.
إلى ذلك، أكد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف أن الغرب يخطّط لمحاربة روسيا الاتحادية، ويحاول بنشاط إلغاء كل نتائج تطوّرها الأخير بهدف الهيمنة والسيطرة عليها.
وخلال اجتماع لحزب “روسيا الموحّدة” قال ميدفيديف اليوم: إن الدول الغربية حاولت منذ فترة طويلة ردع روسيا التي لم تكن مستعدة لتضحّي بسيادتها وتقسم بالولاء للغرب، وبعد انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا أصبح من الواضح أنهم يخططون لمحاربتها.
وأضاف ميدفيديف: إن دول الغرب بذلت جهوداً حثيثة لكي لا يبقى شيء من الذاكرة التاريخية للبلاد الروسية، مشيراً إلى أن روسيا تواجه الآن مهمّة الحفاظ على ذاتها وتاريخها وشعبها، مبيّناً أن تاريخ روسيا طويل وعظيم وقد اجتازت الكثير من المحن.
وأكد ميدفيديف أن روسيا تعرف كيف تستجمع قواها في مواجهة الظروف الصعبة وتوجّه الضربة اللازمة، ويمكنها أن تفعل ذلك الآن كما حدث خلال الحرب الوطنية العظمى ومجموعة من الأحداث التاريخية الأخرى.