قراءة في كتاب “المقنعون”
علي اليوسف
يقدّم كتاب “المقنعون” للكاتب والصحفي أناند جيريدهارداس لمحة عن النشطاء السياسيين الذين يتبنّون تكتيكات جريئة لإقناع الأمريكيين الآخرين بتغيير آرائهم، ويطرح سؤالاً كبيراً هو: ماذا يتطلّب التغيير السياسي الحقيقي؟.
يلجُ الكاتب مباشرة في التفاصيل، ويركز على الخطاب السياسي في الولايات المتحدة، وعلى ما هو مقبول في الوقت الحاضر، ويعلن موقفه بعدم الاستسلام للقدرية، شأنه شأن جميع أقرانه من الأمريكيين الذين اتخذوا قرارهم بأنه لا جدوى من محاولة تغييرهم، لأن الخلاف وجودي، أما السياسة فهي امتداد للحرب بوسائل أخرى.
يقول جيريدهارداس في كتابه الجديد “المقنعون”: هناك الكثير من الأشخاص الذين يواصلون القيام بعمل إقناع الآخرين، وهو ما يسميه “ثقافة الإقصاء”، التي أتت كنتيجة طبيعية للامبالاة التي تسيطر على عقول المواطنين الذين سئموا من عدم تغير أي شيء، أو عدم مساءلة أحد عن الإساءة. من هذه الفكرة يركز الكاتب على أن العنف سيصبح البديل الذي لا يمكن لأحد أن يتصوره، كونه بات الحلّ الطبيعي باعتباره البديل الوحيد. وكما قال مستشار الاتصالات اليساري أنات شنكر أوسوريو لـ جيريدهارداس: “معارضتنا ليست المعارضة.. إنه تشاؤم”.
في السنوات القليلة الماضية، ألقى عدد من الكتب نظرة فاحصة على كيفية حدوث التغيير السياسي فعلياً في الممارسة، بما في ذلك “السياسة من أجل السلطة” بقلم إيتان هيرش، و”الهدوء قبل” بقلم جال بيكرمان. لكن بالنسبة لـ”المقنعون”، تحدث جيريدهارداس إلى النشطاء والمنظمين الذين يستلزم عملهم، أساساً، جذب المزيد من الناس لقضية اليوم أكثر مما كان يعتقد بالأمس.
يبدأ جيريدهارداس كتابه بمقدمة قصيرة يسرد فيها “كذبة” رواية التدخل الروسي في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2016، ويرى أنه لم تكن الحسابات المزيفة هي التي دفعت الأمريكيين إلى تصديق المحتوى الغريب لحملات التضليل الأمريكية، بل هي كانت نتيجة خيالهم الجبان. ويؤكد أن ما فعلته تلك الحملات هو إضعاف الطريقة التي واجه بها الأمريكيون بعضهم البعض، ما أدّى إلى تضخيم الشعور بالحيرة والاشمئزاز. ويطرح مثالاً حين قام برنامج “كو إنتيلبرو” التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالية بشيء مماثل في الستينيات، حين زرع عدم الثقة داخل الجماعات اليسارية من أجل زعزعة استقرارها.
من هذه الفكرة، ينطلق الكاتب إلى الحلول الوسطية، متسائلاً: لماذا نقضي الوقت في محاولة فهم الحجج السياسية للآخرين، في حين أن الجميع ميؤوس منه؟ ويرى أن الإصرار على أن الإقناع السياسي يتعلق بتخفيف المواقف، والالتقاء بالآخرين في منتصف الطريق.
يتابع جيريدهارداس: إن الاستماع جزء أساسي من الإقناع، حيث يمكن للمفوضين بناء الثقة إذا جعلوا الناس يشعرون بالاحترام أولاً، وقال إنه عندما يُمنح الناس فرصة للتحدث عن معتقداتهم السياسية، فإنهم غالباً ما يكشفون عن “مدى عاطفية عملية تكوين الرأي”.
وهنا تتحوّل العواطف إلى جزء أساسي من هذا الكتاب، حيث يرى الكاتب أن الناس لا يحبون الشعور بالرفض أو التعاطف، ولا أحد يحبّ أن يشعر بالغباء، إذ لا يمكن إقناع أي شخص بإجبار ذلك الشخص على الخضوع، كما لا يمكن أن يسيطر التوتر على “المقنع” بشأن انزعاج الناس أيضاً.
تقول الناشطة النسوية لوريتا روس إن الانزعاج قد يكون ضرورياً في بعض الأحيان لجميع المعنيين، إنها مثال استثنائي، وإن كان متطرفاً. كانت روس ضحية اغتصاب تعمل في مركز أزمات اغتصاب، وأخذت على عاتقها بدء برنامج تعليمي للسجناء الذكور المدانين بالاعتداء الجنسي، رغم أنها تدرك أن هناك شيئاً غير عادل في هذا. حقيقة إن عبء التغيير يقع غالباً على عاتق أولئك الذين يعانون بالفعل من الصدمة. تقول روس، المرأة الزنجية: “لا يتوقع أن يكون كلّ شخص أسود مستعداً لإجراء محادثة مع شخص أبيض حول العنصرية. لكنها هي نفسها مستعدة. هناك عمل كافٍ لنا جميعاً للقيام بعمل مختلف”.
يضيء فصل من الكتاب على النائبة أوكاسيو كورتيز -ناشطة اشتراكية ديمقراطية، معلمة، وسياسية أمريكية من أصل بورتوريكي، وأصغر نائب في الكونغرس الأمريكي– حيث يسعى الكاتب في هذا الفصل لتحقيق “توازن دقيق”، و”عمل موازنة صعبة” للخط الفاصل بين الخارج والداخل، والراديكالية والمصالحة، والصواب والود. تقول كورتيز: “إن عناد زميلها الاشتراكي الديمقراطي بيرني ساندرز، ورفضه العمل مع امرأة شابة من بورتوريكو من برونكس، هو ما دفعني ألا يكون لديّ الكرم الداخلي ولا الثقة في أن شخصاً مثل بيرني سيفعل ذلك”.
في كتابه السابق “الفائزون يأخذون كلّ شيء”، كان جيريدهارداس يكتب كناقد، أما هنا في كتابه “المقنعون”، فيكتب في الغالب كبطل للرواية. لكن بالنظر إلى موضوع الكتاب، ربما وفرت الحقيقة والوقائع على الأرض أكثر مما تناوله الكاتب، خاصةً وأن الأمريكيين يسيطر عليهم اليأس من ساستهم المنافقين.