صحيفة البعثمحليات

ركام التكرار..!

بشير فرزان

ربما من الأفضل في هذه الظروف المعيشية المأساوية السوداوية اللجوء إلى خيار التفاؤل والتمسّك به، لما يشكّله من حالة إيجابية قادرة، بأقل تقدير، على انتشال عزيمة وصبر الناس على المحن التي تدكّ حياتهم على مدار الساعة. وطبعاً هذا الخيار الافتراضي يفرضُ، في المقابل، على أصحاب القرار المزيد من المسؤوليات، وفي مقدمتها تغذية هذا الخيار بعددٍ من المؤشرات والأرقام، إضافة إلى بعض القرارات التي تصبّ في خانة ما يمكن أن نسمّيه حالة التعافي المتمثلة بإعادة الاستقرار إلى العديد من الأسواق، بما فيها المحروقات التي تشكّل العصب الأساسي للإنتاجية.

ورغم تعدّد الأرقام الإنتاجية التي نسمع بها عبر التصريحات وفي كلّ القطاعات، إلا أنها “لا تؤشر” إلى حالة إنتاجية سليمة، أو إلى أداء تفاعلي حقيقي مع المستجدات الاقتصادية والمعيشية، حيث يبقى الحديثُ مدوناً في سجلات مؤسساتية غير فاعلة بقصد الإنجاز الوهمي ودون أي انعكاس على الدخل الوطني والمقدرة الشرائية والدورة الاقتصادية بحلقاتها المختلفة “المنتج والعامل والمستهلك”، فليس هناك زيادة للطاقة الإنتاجية لرفع مستوى المعيشة وتنشيط الدورة الاقتصادية داخل الأسواق، وفي شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وما يزيد من المأساة أن كلّ ما يُنجز مجرد خوارزميات رقمية، لتبقى الواقعية الرقمية مفقودة، أو ضائعة في ركام التكرار!

وما يجبُ الاعتراف أو الانتباه له، بالاستناد إلى المعطيات والأرقام، أن الحديث السائد اليوم عن الإنتاجية لا يتناسب مع المعادلات الحسابية أو نتائج العائدية الربحية التي تبقى معادلات مستحيلة الحلّ! فمثلاً، يسمع المواطن عن أرقام كبيرة في كلّ ما يخصّ حياته كحوامل الطاقة من محروقات وغيرها، ولكن دون أن يلمسَ نتائجها على أرض الواقع، والحالة ذاتها في الكهرباء، وكذلك في الشركات الصناعية، وطبعاً الأمثلة كثيرة في القطاع العام الصناعي الذي يتعرّض لحالة من التنمر المالي وبشكل دائم.. فهل هذه النتيجة صحيحة، أم أن الواقع يقول عكس ذلك؟ وهل حقاً ما يطبق لدينا في هذا الاتجاه هو إنتاجية حقيقية، أم أنه شبيه بالإنتاجية كما يتراءى للذين يروّجون لتكهناتهم الشخصية، خاصة وأن “التكهن” حالة تنتابُ البعض تحت تسمية الحاسة السادسة والتي تمنحهم قدرات خارقة على قراءة مسارات العديد من الأحداث ومعرفة نهاياتها التي تندرج تحت مسمّى علم الغيب الذي بات واقعاً في المؤسّسات والشركات، فليس هناك نظريات علمية تطبّق بل مجرد توقعات إنتاجية قد تكون غير حقيقية؟!

وما يؤلمُ أن تتعثّر حياة المواطن بالكثير من المنغصات والتحديات في بداية عامه الجديد الذي ترقب ولادته من بوابات التفاؤل والانفراجات، وللأسف يبدو أنه سيبقى الرقم الخاسر في السياسات الاقتصادية الإنتاجية التي وضعت من دون أية بيانات رقمية، أو وفق خارطة جزيرة الكنز التي لا يفهم مؤشراتها ودلالاتها الاقتصادية والمعيشية إلا.. القراصنة!!