حفرة تصريف وحفرة رجم للشفيف
غالية خوجة
“من حفر حفرة لأخيه وقع فيها”، ويبدو أن المواطن هو الذي يقع في جميع الحفرات المتنوعات، الغائبات منها والحاضرات، والتي يحفرها له مواطنون آخرون خصوصاً بعض المسؤولين، سواء كانت حفرات لتصريفه والتخلص منه ومن صدقه وشفافيته الناقدة، أو حفرات الصرف الصحي التي قد تكون جاهزة للابتلاع في كلّ مكان نتيجة التسيّب والإهمال واللا مسؤولية، ووجود الإنسان المناسب في المكان غير المناسب، وهذا ما أدركته الحكومة فاتبعت الإجراءات اللازمة مع المقصّرين، آملين أن تكون الإجراءات الاحترازية السابقة أهم من الإجراءات اللاحقة.
أمّا على صعيد الحفرة الامتلاكية فحدّث ولا حرج، لأن أي إنجاز لأي مواطن يتحوّل إلى ملكية خاصة للجهة التي يتبع لها، فلا تجوز مقابلة هذا المواطن أو المكان العام لتواجده التابع لهذه الجهة إلاّ بتصريح للصحافة الحكومية الوطنية من الجهة المسؤولة عينها! لماذا؟ لأن أحد المواطنين المنتمين لتلك الجهة تكلم بشفافية، ولأن الخبر كان يبحث من وراء الكواليس عن الجنود المجهولين الذين ساهموا في مثل هذا الإنجاز!
ولربما تناست الغالبية ما تربّينا عليه من أقوال القائد الخالد حافظ الأسد، ومنها: “لا أريد لأحد أن يسكت عن الخطأ ولا أن يتستر على العيوب والنواقص لأن مثل هذا التستر سيحقق تنامي العيوب والأخطاء وتراكمها مما يمكن أن يؤدي مع مرور الزمن إلى هدم ما بنيناه في أكثر من مجال، وبالتالي، إلى تعثّر مرحلة مهمّة من مراحلنا التأريخية، تشكل منعطفاً خطيراً أو حاداً بالنسبة لبلدنا وأمتنا بل وللعالم”.
أيها المسؤولون، وأخصّ الذين لا يتقبلون الإشارة أو الإفصاح عن الأخطاء والعيوب، أو هؤلاء الذين لا يريدون إلاّ التصفيق مهما أخطأوا لأنهم يحققون الإنجازات! هؤلاء الذين يظنون أن الله خلقهم بقالب للنجاح ثم انكسر، لأنهم يرون في فشلهم وفسادهم نجاحاً وطنياً، هؤلاء الذين ما زالوا يفكرون بمحاسبة المواطن المنتقد ببنائية وشفافية بطريقة تؤدي به إلى الإبعاد والاستبعاد ولربما السجن!
هؤلاء الذين لا يشكرون من يشير إلى الأخطاء ويتحدث عن العيوب كاشفاً عنها لإصلاحها واتخاذ الإجراءات الإيجابية لردمها، بل يسرعون لردم ورجم المواطن في الحفر المختلفة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وتكاثرت الحفر والمطبات التقصيرية الجاهزة للرمي في حفرةِ تبريرية لا سواها، وأعني آثار الحرب والوضع الاقتصادي والاجتماعي، لدرجة أن هذه الحفرة الأخيرة أصبحت ثقباً كونياً أسود يبتلع كل تقصير، ويبتلع كل مواطن لا يتستّر على الأخطاء والعيوب والنواقص.
والسؤال: كيف لنا أن نطبق “الأمل بالعمل” وأمثال هؤلاء يشكّلون عوائق ضد الحوارية الشفافة الإيجابية، ضد التنمية البشرية والاقتصادية، ضد الوعي الكاشف والقارئ والاحترازي، ضد ثقافة العمل في كافة الجهات كفريق واحد، قابل لأن يراجع ذاته وأخطاءه، ويشكر، ويعتذر، وينتقد ذاته، ويضع مناهج عمل أكثر إيجابية وبنائية، ولا يتوانى عن الخطط الاحتمالية المنتِجة، ويتقبّل النقد والآراء المختلفة التي لا تفسد للودّ قضية، ما دام الهدف واحداً ألا وهو القضية الواحدة المشتركة الهادفة أولاً وأخيراً إلى بناء الإنسان والمكان والزمان.
أيها اللاهثون وراء أنانيتكم ومصالحكم الصغرى جداً، الأولى أن تستبعدوا طريقة تفكيركم السلبية، وأداءكم النشاز، ترى، أمَا آن لكم أن تتحمّلوا مسؤولياتكم أمام المواطن والوطن، فيما إذا ما زالت هذه المفردات ومعانيها ورهبتها في قواميسكم التي لا تعرف إلاّ الوأد لكلّ إيجابي في حفرات الردم لا سواها، وحالنا متسائلين: إلى متى يحدث ما حدث؟!!.