دعمٌ صهيوأمريكي مفضوح.. و”النووي” في الميزان
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد
: بعد تضارب كبير في الآراء بين معتبر للمظاهرات وأعمال التخريب في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها “حركاتٌ تحرّرية” وتمثّل “مطالب شعبية”، وآخر يعلم أنها في الحقيقة مجرّد استمرار لسيناريو قديم وفاشل يُدعى “الربيع العربي” ومواصلةٌ لأعمال التخريب والثورات الملوّنة المدعومة من أعداء إيران وكامل محور المقاومة للمشروع الصهيوأطلسي في المنطقة، تطلّ على الملأ الولايات المتحدة وتعترف بشكلٍ سافر بتحريضها ودعمها لأعمال الشغب والتخريب في إيران، وبشكل يكشف بشاعة السياسة الأمريكية التي تعمّدت انتهاجها ضدّ الخصوم، حيث ورد في تصريحات مبعوث واشنطن الخاص بإيران روبرت مالي تأكيده أنّ “دعم الاحتجاجات في إيران أولوية.. الولايات المتحدة تصنع الفارق لتعطيل تزويد روسيا بالأسلحة”. حسب تعبيره، والحقيقة فإنّ مثل هذا التصريح دليلٌ واضح على التورّط الأمريكي والتسبّب الأساسي بما تشهده الساحة الإيرانية من أعمال شغب وتخريب باتت من أسلحة أمريكا الأساسية في الكثير من رقع الأرض، كما يحمل “التصريح” أيضاً المزيد من النيّات لشيطنة إيران وتعزيز “روسوفوبيا”، فعلى الرغم من نفي إيران قيامها بدعم روسيا بالأسلحة وتأكيد روسيا أنها خاضت وتخوض عمليتها الخاصة في أوكرانيا منذ بدايتها حتى الآن بالاعتماد على خبراتها العسكرية وترسانتها الخاصة، تصدر مثل تلك التصريحات لابتزاز الطرفين الروسي والإيراني، وفي الشق الإيراني الهدف هو الضغط على إيران في الملف النووي وتخفيض مطالبها. وفي هذا السياق، تتبجح مديرية الاستخبارات الأمريكية بحديثها عمّا سمّته “الاحتجاجات الإيرانية” في صيغ لفظية تؤكد أنّ ما يحدث من صنع الإدارة الأمريكية وبتوجيهاتها، بل أعطت هذه الاستخبارات سيناريوهاتٍ وتوقعاتٍ للخطوات التخريبية الأخرى المراد انتهاجها من أدواتها المرتهنة وعملائها في الداخل الإيراني، مدّعيةً في الوقت ذاته القلق على الشعب الإيراني وعلى الوضع الاقتصادي، ومتناسيةً أن بلادها تفرض عقوباتٍ اقتصادية على إيران وهذه العقوبات ضحيّتها الأولى الشعب الإيراني، حيث تعكس مثل هذه التصريحات المستفزّة والمتكرّرة مدى جنوح الإدارة الأمريكية للتدخّل في الشأن الداخلي لبلدان كثيرة، بعد أن اعتادت على مصادرة السياسات الداخلية والخارجية وحتى الاقتصادية منها لشعوبٍ كاملة وعلى رأسهم من تسمّيهم “حلفاءها” في أوروبا. وتماشياً مع هذه للتصريحات، تؤكّد أمريكا عدم أولوية المفاوضات النووية مع إيران في حركة مناورة جديدة هدفها التوصّل إلى حل هذا الملف وفقاً للشروط الغربية، مع فشل متكرّر لواشنطن في ذلك رغم كل محاولاتها وضغوطها المتزايدة لربط الملف النووي بالمظاهرات الإيرانية وعدد من الأحداث وكان آخرها “حرب ناقلات النفط” و”المسيّرات”، في ظل تخبّط داخلي أمريكي ناجم عن توازنات الانتخابات النصفية الأخيرة، فالنواب الجمهوريون يحاولون الضغط على الرئيس الأمريكي جو بايدن لإحياء الملف، في حين تتعالى الصيحات ضمن حزب بايدن مطالبةً بعدم التفاوض بشأنه. وعلى المقلب الإسرائيلي، فإنّ استلام بنيامين نتنياهو لسلطة الكيان الإسرائيلي زاد من الضغوط الصهيونية على واشنطن لإفشال التفاوض مع إيران، تحت مزاعم قدرة إيران على امتلاك للسلاح النووي بعد إعلان طهران زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي خطوة تشير إلى إمكانية صنع السلاح النووي لكنها في الوقت نفسه تُعدّ غير كافية لصنعه، مع نفي إيران المتكرّر للرغبة بذلك، ووجود صعوبات جمّة تقنية وعملية تبعد شبهات الفرضية الصهيونية، وهي تذكّرنا باتهامات الغرب للعراق سابقاً وما تبعها من خطوات مسيّسة منحت الذريعة في الحرب على العراق وتدمير مقدّراته وقتل وتشريد الملايين من شعبه. وفي إقليم شمال العراق الانفصالي تراقب إيران بدقة النشاط الاستخباري وحتى العسكري لقنصلية الكيان ضمن الإقليم، ووجود قواعد جوية أمريكية ضمنه تمارس نشاطات داعمة للإرهابيين والجواسيس في الداخل الإيراني، وتُدخل لهم الأسلحة وحتى ما قبل المظاهرات، إضافةً إلى اغتيال العلماء الإيرانيين، وعمليات التسلل وباعترافات صريحة من ساسة الكيان. إيران وعلى الرغم من جميع ما يحاك ضدّها أكدت ثقتها بقوّتها ومنعتها الداخلية في مواجهة مثل هذه الأعمال التخريبية التي لن تؤدّي إلى إسقاط “نظامها السياسي” أو تغيير نهجها الممانع، أو خفض مطالبها فيما يتعلق ببرنامجها النووي السلمي، كما أن حكومتها الوطنية لن تسمح للمخرّبين بالسيطرة على الدولة أو قرارها أو ثنيها عن أهدافها وسياساتها الداخلية والخارجية المناوئة للمحور الغربي. ويقف الدليل المادي أيضاً كشاهد على ما يجري في الساحة الإيرانية، فمنذ بداية أحداث المظاهرات شاهدنا كمية الأسلحة المضبوطة من الأجهزة الأمنية الإيرانية، ناهيك عن الجواسيس الذين تم ضبطهم وإعدامهم، وكميات المخدرات المتساقطة بكثافة على جماهير الشغب والتخريب، وتزايد الأعمال الإرهابية التي وقعت أو تم إحباطها مؤخراً. من جهةٍ أخرى تقوم إيران ومنذ اليوم الأول للاحتجاجات بتعديلات إجرائية وتدرس خطواتٍ إصلاحية عديدة تهدف إلى استيعاب فئة الشباب وعدم منح من يحاول جرّهم إلى ساحات أخرى مشبوهة الذريعة أو الحجّة لإظهار مطالبهم المبطنة على أنها محقة، ومن أبرز التعديلات تعليق عمل شرطة الأخلاق ومن ثم إلغاؤها بشكل نهائي، إضافة إلى وجود خطوات أخرى قيد الدراسة الجدية تهدف إلى تدارك الشرخ الحداثي بين الأجيال القديمة والشابة، وهي مشكلة تمرّ بها إيران والعديد من المجتمعات الشرقية المتمسّكة بعاداتها وأخلاقها، كما أنّ الحكومة الإيرانية لم تصرّ على الحسم الأمني للمظاهرات بل على النقيض من ذلك فهي تدعو إلى المضي قدماً في الجانب التوعوي وخاصةً لفئة الشباب أو ما سمّته “جهاد التبيين”. أما على المقلب الاقتصادي فتواصل إيران تعاملها مع عقوبات الغرب بمنتهى الذكاء، وأوجدت العديد من الحلول للتخفيف من وطأة آثارها، إلى حدٍّ ضاعت معه آثار تلك العقوبات وفشلت في تحقيق غاياتها، كما توجّهت في جميع تعاملاتها نحو دول أوراسيا وتنشط في الانضمام إلى جميع “التكتلات” الجديدة الهادفة إلى كسر القطبية والهيمنة الأمريكية عبر دول لا تعترف بعقوبات الغرب وإجراءاته ضدّ الدول، دون أي مخاوف أو قلق ممّا يلوّح به الغرب من تهديدات. إنّ ما سبق يُظهر المشهد وبوضوح تام، فأمريكا وإسرائيل وقوى الغرب يدعمون حركات الشغب والثورات الملوّنة، ويقرّون بذلك سواء في إيران أم غيرها من الدول بغية الاستخدام المسيّس لـ”ملف حقوق الإنسان” كأداة للتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب، وخلق موجاتٍ هوجاء مُبالغٍ فيها وتحميلها مظاهر مطلبية مهما كان حجم الفئات المطالبة صغيراً ومحدوداً، وكما هو معلوم في قواميس السياسة فإنّ الثورات تولد من رحم الأكثرية الشعبية، وليس من فئات لا تمثيل لها في الشارع مثل أنصار الملكية أو مناصري مجاهدي خلق على مستوى الشارع الإيراني، وما يحدث حالياً هو التركيز والتعميم لتلك الفئات على أنها أكثرية ويجب سماع صوتها النشاز على أنه الأساس، وطبعاً هذه المظاهرات ستتلاشى في القريب العاجل، وإلى حينها سنشاهد الغرب يبتكر طرقاً استفزازيةً جديدة في محاولة حثيثة لفرض سياساته الإمبريالية على إيران وغيرها من الدول التي تقف بوجه عنجهيته.