من الرايخ الثالث إلى دعم النازيين الجدد في أوكرانيا
البعث الأسبوعية– عناية ناصر
ستعمل المافيا في واشنطن ولندن وبروكسل وتل أبيب كل ما في وسعهم للإبقاء على مشروع “النظام العالمي أحادي القطب” على ما هو عليه، في محاولة بائسة للإبقاء على أية صلاحيات متبقية لديهم حتى لو كان ذلك يعني التحالف مع ألد الأعداء.
هناك مثل قديم معروف يقول: “عدو عدوي صديقي” وهو ما يبدو صحيحاً اليوم، خاصة وأن واشنطن، ووكالة المخابرات المركزية، والمجمع العسكري الصناعي جنباً إلى جنب مع “الموساد”، وحلف شمال الأطلسي دعموا الإرهابيين المعروفين بما في ذلك تنظيم “داعش”، و”القاعدة”، وجماعات أخرى للإطاحة بحكومات لا يوافقون عليها خاصة في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن دعمهم للإرهابيين الذين كانوا أعداءهم في وقت أو آخ،ر لم يبدأ مع حروب تغيير الحكومات في سورية أو ليبيا بل بدأت فكرة دعم أعدائهم أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية عندما جندت الإدارة الأمريكية النازيين الأوكرانيين لمواجهة عدوهم الجديد، والذي كان الاتحاد السوفييتي. لقد كان تحول غريب في الأحداث أن ينظر إلى السوفييت الذين قاتلوا النازيين مع الأمريكيين والأوروبيين خلال الحرب على أنهم تهديد جديد، حيث استخدمت واشنطن بقية مجموعات المافيا النازية في ذلك الوقت كما يستخدمون الآن الإرهابيين في حربهم للسيطرة على العالم بغض النظر عن التكاليف على المدى الطويل.
من هم النازيون ولماذا كانت واشنطن مهتمة بتجنيدهم في المقام الأول؟
لقد كان للنازيين أعضاء منخرطون في العديد من التخصصات العلمية والتكنولوجية التي كانت الحكومة الأمريكية مهتمة بها، لاستخدامهم لاحقاً لإنتاج جميع أنواع أسلحة الحرب والعمليات النفسية لعملياتها العسكرية المستقبلية.
اتبع النازيون أيديولوجية فاشية يمينية متطرفة كانت استبدادية تزامنت مع المبادئ القومية المتطرفة التي رفضت الفوضى والشيوعية والديمقراطية والجمهورية والاشتراكية وأشكال الحكم الأخرى التي كان يُنظر إليها على أنها تهديد لقوتهم الصاعدة. وعلى الرغم من أن هذا يبدو جنوناً، استخدم النازيون أيضاً “العنصرية العلمية”، أو ما يمكن تسميته “علم تحسين النسل” للتلاعب بمجموعات الجينات البشرية من خلال فصل مجموعات معينة من الأشخاص بين أولئك الذين يعتبرون أقل شأناً من أولئك الذين تم اعتبارهم متفوقين.
لقد أدت النازية إلى الإبادة الجماعية والتعذيب والإجهاض القسري وسجن معارضيها والترحيلات وغيرها من الفظائع بين أولئك الذين لا يتناسبون مع صورة القوميين المتطرفين، خاصة إذا لم يكونوا يمتلكون الصفات العرقية التي طالبوا بها لحركتهم.
وبالنظر إلى تاريخ الفاشية، فإن جذورها كانت موجودة في أوروبا عندما حكم لويس نابليون بونابرت فرنسا بقبضة حديدية من عام 1848 إلى عام 1852، وكانت لها عناصر الدولة الفاشية – النازية.
إبادة أمريكا للهنود الحمر مصدر إلهام لأدولف هتلر
تولى أدولف هتلر، المستشار الألماني الذي تم تعيينه، زمام المبادرة في فرض السياسات الفاشية في بلاده عندما تولى السلطة في 30 كانون الثاني 1933، وكان لدى حلفاء هتلر المعروفين أيضاً باسم تحالف المحور، بينيتو موسوليني من إيطاليا و امبراطور اليابان هيروهيتو سياسات مماثلة.
ما الذي ألهم هذا النوع من الأيديولوجيا؟ ومن أين استوحاها النازيون؟. لقد كانت حقيقة معروفة أن أدولف هتلر أعجب بطرق أمريكا في التعامل مع مجموعات معينة في تاريخها القصير من قوانين “جيم كرو” ضد الأمريكيين الأفارقة إلى السكان الأصليين الذين تم إرسالهم إلى معسكرات الاعتقال خلال حروب الهنود الأمريكيين.
وجاء ذلك في كتاب جون تولاند “آدولف هتل: سيرة الحياة الأكيدة“ ،إن مفهوم هتلر عن معسكرات الاعتقال بالإضافة إلى التطبيق العملي للإبادة الجماعية يدين بالكثير ، كما زعم ، لدراساته في اللغة الإنكليزية وتاريخ الولايات المتحدة، وأنه أعجب بمعسكرات سجناء “البوير” في جنوب إفريقيا والهنود في براري الغرب، وكثيراً ما امتدح لدائرته الداخلية كفاءة إبادة أمريكا من خلال التجويع والقتال غير المتكافئ للهنود الحمر الذين لا يمكن للسجون ترويضهم.
دخلت فكرة “معسكر الاعتقال” حيز التنفيذ في زمن الرئيس الأمريكي الديمقراطي، أندرو جاكسون، الذي أدخل “مستودعات الهجرة” كجزء من ” قانون الإزالة الهندي” لعام 1830، حيث أُجبر عشرات الآلاف من السكان الأصليين على ما كان يسمى “معسكرات الاعتقال”، من بينهم “السيمينول”، و”شيروكي”، و” الشوكتو”، و” موسكوجي”، وغيرهم من الدول القبلية بشكل رئيسي في الجزء الجنوبي من الولايات المتحدة والتي شملت ألاباما وتينيسي.
كان أحد العناصر الأخرى لكيفية تأثير نموذج الحكم الأمريكي في ألمانيا النازية هو قوانين “جيم كرو”، حيث كتب جيمس كيو ويتمان، الباحث القانوني، ومؤلف كتاب “نموذج هتلر الأمريكي: الولايات المتحدة وصنع قانون العرق النازي” مقدمة حول كيف ينظر النازيون إلى قوانين العرق الأمريكية.
قدم وزير العدل غورتنر حينذاك مذكرة حول قانون العرق الأمريكي، والتي تم إعدادها بعناية من قبل مسؤولي الوزارة، وعاد المشاركون مراراً وتكراراً إلى النماذج الأمريكية للتشريعات العنصرية في سياق مناقشاتهم. وكان من المثير للدهشة أن أكثر النازيين تطرفاً كانوا هم المدافعون الأكثر حماسة عن الدروس التي قدمتها المقاربات الأمريكية لألمانيا.
وليس هذا هو السجل الوحيد للانخراط النازي مع قانون العرق الأمريكي، ففي أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، أولى العديد من النازيين، ليس أقلهم هتلر نفسه، اهتماماً كبيراً في التشريع العنصري للولايات المتحدة. في الواقع، أشاد هتلر في كتابه “كفاحي” بأمريكا باعتبارها الدولة التي أحرزت تقدماً نحو إنشاء نظام عنصري صحي من النوع الذي تهدف قوانين نورمبرغ إلى تأسيسه.
تم فرض قوانين العرق المستوحاة من الولايات المتحدة على المجتمع الألماني مع وضع قوانين نورمبرغ التي تم تمريرها في 15 أيلول 1935. رأى النازيون أن قوانين العرق الأمريكية هي سياسة مناسبة يمكنهم تنفيذها على مجموعات مختلفة مثل اليهود الذين أصبحوا في النهاية غير مواطنين. كما كان الأمريكيون الأصليون والفلبينيون والأمريكيون الأفارقة وغيرهم يعتبرون أيضاً غير مواطنين حتى لو كانوا يعيشون في الولايات المتحدة أو الأراضي المستعمرة، ولكن كان هناك جانب واحد من قوانين العرق في الولايات المتحدة مهتماً بالنازيين، وهي قوانين مكافحة التجانس التي تحظر الزواج بين الأعراق في حوالي 30 ولاية أمريكية، حيث تلقى أولئك الذين انتهكوا القانون في الولايات المتحدة عقوبة جنائية شديدة.
لماذا جندت حكومة الولايات المتحدة النازيين بعد الحرب العالمية الثانية؟
إن شائعة الحرب النووية منتشرة اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الروسية الأوكرانية، حيث دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى “ضربات وقائية” لردع روسيا عن استخدام الأسلحة النووية على الرغم من أنه تراجع عن المزاعم بعد فترة وجيزة، لكنه دعا الغرب لضرب روسيا بأسلحة نووية لتدابير وقائية.
كانت فكرة وضع قنابل نووية على صواريخ باليستية في المقام الأول مشتقة من علماء الصواريخ النازيين الذين وظفتهم حكومة الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، وكان البرنامج الأصلي يسمى “مشروع اليورانيوم” لغرض تطوير التكنولوجيا النووية لبناء الأسلحة والمفاعلات.
خلال السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، نقلت وكالات الاستخبارات الأمريكية والمجمع العسكري الصناعي سراً أكثر من 1600 عالم نازي وعائلاتهم من ألمانيا ممن كانوا خبراء في مختلف المجالات التي شملت علوم الصواريخ والديناميكا الهوائية والأسلحة الكيميائية والطب في ما كانت تسمى “عملية مشبك الورق”. كان هناك نازيون يعملون في الجيش الأمريكي أعدوا أيضاً تقارير استخباراتية، مما أثار الخوف والذعر من أن السوفييت سيطروا على العالم وهو أمر مبالغ فيه.
كانت إحدى الحقائق التاريخية المهمة عن العلماء النازيين الأمريكيين هي تجنيد فيرنر فون براون الذي كان عضواً في الحزب النازي، وأيضاً رئيساً لتطوير تكنولوجيا الصواريخ، كما كان يعتبر رائداً في مجال الصواريخ وتكنولوجيا الفضاء في الولايات المتحدة.
ساعد العلماء النازيين أيضاً الحكومة الأمريكية والاستخبارات الأمريكية بتطوير برامج أسلحة كيميائية وبيولوجية والتي تتضمن استخدام غاز السارين، وأسلحة حربية خطيرة أخرى تتضمن غاز الأعصاب، وبالطبع السلاح البيولوجي الأكثر استخداماً خلال حرب فيتنام “العامل البرتقالي”، والذي أطلقه الجيش الأمريكي على السكان الفيتناميين، مما تسبب في إصابة أكثر من 3 ملايين شخص بعيوب خلقية، ومشاكل صحية أخرى حتى يومنا هذا. كان العلماء النازيون عباقرة أشرار عندما يتعلق الأمر بتطوير أسلحة حرب متقدمة، وهذا أمراً كان الجيش الأمريكي ومجتمع المخابرات مهتمين به فقط وكان هذا ولا يزال فكرة مخيفة.
فرانكشتاين أمريكا
أظهرت دروس التاريخ أن حكومة الولايات المتحدة، ووكالة المخابرات المركزية دعمتا ودربتا النازيين الأوكرانيين منذ عام 1946. وقد نظمت وكالة المخابرات المركزية عمليات “البقاء في الخلف” مع “منظمة النازيين الجدد الأوكرانيين” في شرق أوروبا، ومناطق أخرى لمساعدة النازيين الأوكرانيين الذين تم إرسالهم لزعزعة استقرار أوكرانيا السوفيتية بعمليات سرية مثل استخدام الكوماندوز لاغتيال المسؤولين السوفييت، وتخريب البنية التحتية، وارتكاب أعمال إرهابية.
يُظهر تاريخ حكومة الولايات المتحدة وعملائها في وكالة المخابرات المركزية أنها دعمت مجرم الحرب الأوكراني ستيفان بانديرا لدفع الحركة السرية الأوكرانية لزعزعة استقرار أوكرانيا السوفيتية، وبالتالي فإن “وكالة المخابرات المركزية” و”مكتب تنسيق السياسات” و”مكتب العمليات الخاصة “خططوا لعمليات سرية مع “منظمة النازيين الجدد الأوكرانيين”، وقدموا الدعم لجيش “التمرد الأوكراني المناهض للسوفييت” للقيام بحرب نفسية داخل مجال النفوذ السوفييتي.
رفعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السرية عن مسؤوليتها التاريخية بارتباطها بالنازيين الأوكرانيين الذين تعاونوا مع النازيين خلال الحرب الباردة في كتاب “حلفاء الحرب الباردة: أصول علاقة وكالة المخابرات المركزية بالنازيين الأوكرانيين” بقلم كيفن سي روفنر، حيث تحدث بالتفصيل كيف أعادت وكالة المخابرات المركزية تأسيس، وتوسيع اتصالاتها مع الأوكرانيين، وغيرهم للقيام بإجراءات سرية ضد الشيوعيين كأصول في زمن الحرب لاستخدامهم خلف خطوط الجيش الأحمر كمقاتلين ومخربين وقادة مقاومة. وذهبت الرواية التاريخية إلى أبعد من ذلك، وذكرت أن سجل الحرب الوحشي في بعض الأحيان للعديد من مجموعات المهاجرين أصبح غامضاً، لأنهم أصبحوا أكثر انتقاداً لوكالة المخابرات المركزية.
وبالانتقال سريعاً إلى تشرين الثاني 2013، كانت هناك احتجاجات عُرفت باسم “الميدان الأوروبي” ضد الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الذي اتخذ قراراً بإقامة علاقات أوثق مع روسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بدلاً من المضي قدماً بفكرة إقامة علاقة سياسية واقتصادية مع الاتحاد الأوروبي من خلال رفض اتفاقية التجارة الحرة بينهما. ثم في شباط 2014 ، حدث ما يعرف بـ “ثورة الميدان” التي انتهت بصدامات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن الحكومية في العاصمة الأوكرانية كييف، مما أدى إلى انقلاب على الرئيس المنتخب ديمقراطياً، فيكتور يانوكوفيتش. وبعد فترة وجيزة، بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، وتم إنشاء “كتيبة آزوف” المستوحاة من النازيين الجدد، حيث أصبحت المقاومة ضد أي شيء روسي.
في 22 كانون الثاني من هذا العام، نشر موقع “ياهو نيوز ، وهو جزء من وسائل الإعلام الرئيسية، مقالاً بعنوان “قد تلعب القوات شبه العسكرية الأوكرانية المدربة من قبل وكالة المخابرات المركزية دوراً مركزياً في حال شنت روسيا الحرب على أوكرانيا” اعترفت بشكل أساسي بأن وكالة المخابرات المركزية كانت تدرب القوات الأوكرانية سراً منذ عام 2015.
ووفقاً لموقع “ياهو نيوز ، قال مسؤول استخباراتي كبير سابق لم يذكر اسمه: “إذا قام الروس بشن الحرب، فإن هؤلاء [خريجي برامج وكالة المخابرات المركزية] سيكونون ميليشياتك، وقادتك المتمردين، لقد كنا نقوم بتدريب هؤلاء الرجال لمدة ثماني سنوات. إنهم مقاتلون جيدون حقاً، وهذا هو المكان الذي يمكن أن يكون لبرنامج الوكالة تأثيراً خطيراً “.
في النهاية بات واضحاً دعم حكومة الولايات المتحدة والمجمع العسكري الصناعي ووكالة المخابرات المركزية النازيين الجدد الأوكرانيين في محاولاتهم الحربية المستمرة ضد روسيا اليوم.