“العنجورية” و”الجلة” ذكريات الماضي وحديث الحاضر
البعث الأسبوعية – رفعت الديك
ذكريات الماضي بدأت تعود بقوة هذا العام حيث الأحاديث عن أيام سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تنتعش بين المواطنين خاصة كبار السن الذي تحاول الأجيال اللاحقة تجاوزها إلا أن عقارب الساعة يبدو أنها قررت العودة لذلك الزمان وما ساعدها في ذلك هو عودة الأدوات التي كانت تستخدم فيه لتنشط ذاكرة من هو على قيد الحياة وهاهي قصص تلك الفترة بدأت تحتل حيزا لابأس به من الأحاديث المطعمة ببعض المصطلحات الغريبة نوعاً ما وفق ما يستذكره حديث أبو حمزة الرجل الثمانيني مع أخته التي لا تصغره السن كثيرا يستذكرا ذاك المساء الذي اجتمع فيه رجال الحارة على”العنجورية” وهي إشعال كمية من الوقود المستخدم آنذاك وهو”الجلي” ومن ثم إطفاءها والتدفئة على الدخان المتصاعد لمدة زمنية طويلة.
والعنجورة حسب ما وصفها أبو حمزة أنها غالباً ما كانت تنفذ للضيوف الغوالي -يقول وهو مبتسم- وتذكره شقيقته أيضاً بالسراج الذي كان يستخدم للإنارة وهو وعاء يملأ بالكاز مع قطعة قماشية مبلولة به تحترق مولدة النور مع دخان يتحد مع دخان البابور.. ثم انتقالاً للحديث عن الأكلات الشعبية في تلك الفترة وذكريات كثيرة ختما القول أننا عدنا لها رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على تجاوزها.
لكن أبو حمزة لا ينكر التطور الحاصل بين المرحلتين فالوجاق حالة متقدمة عن البابور وكذلك الحطب الذي يعد أكثر نظافة من الجلي.
لم يكن الرجل الثمانيني وغيره من رجال القرية يخشون كثيراً وصول المنخفضات الجوية كحالته اليوم الذي أصبح الجميع فيه يخشون سماع النشرة الجوية فمعادلات صعبة ترتسم في الأذهان فمقابل الخرائط الجوية الموجودة على الجوالات، هناك خارطة من الأفكار المتناقضة تفصله عن المدفأة المتوضعة وسط الغرفة.
حالة شروده تلك قطعها سؤال أحد أحفاده عن “الجلة” وهو حسب شرح الرجل الثمانيني لأحفاده الموجودين حوله والذين يحاولون ربط تلك الصور بصورة الواقع أمامهم أنه ناتج عن مزج “روث الأبقار” مع “التبن”، وعجنهما بقليل من الماء قبل أن يحوّل إلى أقراص بواسطة قوالب خشبية أو باليد، ثم يوضع في الشمس ليجف قبل أن يخزن في أماكن بعيدة عن الرطوبة ليكون وقوداً للتدفئة كبديل عن المحروقات في عملية التدفئة.
ويضيف تعد “صوبة الجلة”، من الأدوات القديمة التي عزف السكان عن استخدامها في مرحلة ما قبل الحرب بفعل رخص وسائل التدفئة آنذاك، وعلى الرغم من أن الوقود كان متوافراً إلا أن بعض السكان ظلوا يستخدمون “الجلة”، في عملية التدفئة لكونها تؤمن اشتعالاً لمدة أطول وبحرارة أعلى مما تؤمنه بقية المحروقات والحطب الذي لا يجد سكان الريف الجبلي ذو الطبيعة الشتوية القاسية بديلاً للتدفئة عنه في ظل نقص مازوت التدفئة أو عدم توفره.