مشاكل البنية التحتية للعم سام
ترجمة: عائدة أسعد
يتفق جو بايدن ودونالد ترامب على شيء واحد على الأقل، وهو أن الولايات المتحدة لديها بنية تحتية متقادمة وهشة، وقد أعرب كلاهما عن أسفه صراحة على تدهور البنية التحتية للبلاد، بل وقارنا مطاراتها بمطارات “دول العالم الثالث”. وقبل خمسين عاماً كان مثل هذا التوصيف يبدو مستحيلاً من سد هوفر إلى جسر البوابة الذهبية، ومن مبنى إمباير إلى نفق لينكولن، حيث اشتهرت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة ببنيتها التحتية المتطورة جداً.
ولكن اليوم، أصبحت البنية التحتية واحدة من أكبر المشاكل في الولايات المتحدة، وهي تنهار وفقاً للتقرير الذي قدمته الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين. إن الأسباب في انهيار البنية التحتية في الولايات المتحدة معقدة، لكن أكثرهاً وضوحاً هو تقلص الإنفاق، ونقص المهنيين التقنيين والفشل السياسي.
ووفقاً لآخر تقرير صادر عن مكتب الميزانية بالكونغرس، يقع اللوم على القطاع العام الأمريكي في تراجع الإنفاق على البنية التحتية، وعدم رغبة القطاع الخاص في الاستثمار في البنية التحتية، بسبب ارتفاع التكاليف، وبطء العوائد، حيث يحتاج القطاع العام إلى التدخل وتولي زمام المبادرة. ومع ذلك فقد بلغ الإنفاق العام للبلاد على النقل والبنية التحتية للمياه كحصة من الناتج المحلي الإجمالي ذروته في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي عند 3٪ ، ثم انخفض إلى 2.3٪ في عام 2017 . والأسوأ من ذلك، أن معظم الإنفاق المقلص ذهب إلى تشغيل وصيانة المشاريع القائمة بدلاً من الاستثمار في مشاريع جديدة، ونتيجة لسنوات من نقص الاستثمار، قدرت الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين ما يقرب من 2.6 تريليون دولار من فجوة الاستثمار في البنية التحتية هذا العقد.
وقد يجادل البعض بأن قانون الرئيس بايدن الطموح للاستثمار في البنية التحتية والوظائف، مع 550 مليار دولار في الطرق الجديدة، والسكك الحديدية، والبنية التحتية الأخرى، يوفر فرصة مرة واحدة في الجيل لسد هذه الفجوة. ومع ذلك، فقد أدى التضخم القياسي، وتكاليف البنية التحتية المرتفعة إلى خفض المليارات من قيمتها الحقيقية. وبالتالي، فإن قانون بايدن للبنية التحتية بعيد كل البعد عن أن يكون كافياً لسد تلك الفجوة.
وجد كين سايمونسون، كبير الاقتصاديين في “أسوسيتيد جينرال كونتراكتس” أن 2.3 مليون وظيفة قد اختفت خلال الركود العظيم لعام 2008 وما تلاه، وتم استرداد 1.2 مليون فقط منذ ذلك الحين، ويعود أحد الأسباب الرئيسية إلى أن التسريح الجماعي لعمال البناء المهرة أثناء الانكماش الاقتصادي جعل البناء صناعة غير مستقرة في نظر معظم الأمريكيين.
إن الصناعة التحويلية في الولايات المتحدة تعاني أيضاً من نقص خطير في العمالة الماهرة التي تفاقمت بسبب جائحة “كوفيد 19” . ووفقا لغرفة التجارة الأمريكية، فقدت الصناعة التحويلية ما يقرب من 1.4 مليون وظيفة منذ الوباء، ويملك القطاع الآن 50٪ من فرص العمل الشاغرة. كما تتوقع “ديلوتي”، وهي شركة استشارية، نقصاً في أكثر من مليوني عامل تصنيع أمريكي بحلول عام 2030، وهذا يعني أنه حتى لو تمكنت حكومة الولايات المتحدة من جمع أموال كافية لسد فجوة التمويل، فإن مشاريع البنية التحتية الخاصة بها لا تزال تعاني من البطء، والتأخير لأنه ببساطة لا يوجد عدد كاف من العمال.
وفي الأساس يعتبر الفشل السياسي أكبر عقبة أمام تطوير البنية التحتية، وفي عصر الصراع الحزبي غالباً ما يكون الإجماع بين الأطراف بعيد المنال، ولكن نظراً لانعدام الإرادة السياسية والثقة بين الجمهوريين والديمقراطيين وداخلهم، قد يكون من الصعب جعلهم يتفقون على “ما يجب إصلاحه وبأي تكلفة وبأي نهج” فيما يتعلق بالبنية التحتية.
حتى قانون بايدن المزعوم للبنية التحتية، كان ضحية لمثل هذا الانقسام، فقد كان من المفترض أن تكون البداية فاتورة بقيمة 2.4 تريليون دولار، ولكن في مواجهة اعتراضات الجمهوريين وحتى داخل الديمقراطيين، تم تقليص مشروع القانون أولاً إلى 1.7 تريليون دولار، وخفضه إلى 1.2 تريليون دولار، أي نصف المبلغ الأولي فقط، وهذا واحد من أمثلة لا حصر لها حول كيف أن السياسات الحزبية في واشنطن تزيد من سوء الفوضى.
قال بايدن ذات مرة إنه “من غير المقبول” أن تحتل الولايات المتحدة المرتبة 13 فقط في العالم من حيث جودة البنية التحتية، فهل يقوم بمعالجة المشاكل المنهجية والعميقة الجذور المتمثلة في التمويل والعمالة والخلل السياسي، خشية أن ينزلق ترتيب البنية التحتية لهذه القوة العظمى أكثر وأكثر؟