تحقيقاتصحيفة البعث

السويداء ستبقى عصية على الاختراق.. تبرعات شعبية لترميم السرايا ومطالب بمحاسبة المتآمرين

السويداء – رفعت الديك

لاشك أن ما حدث في السويداء شكّل صعقة كبيرة لأبناء المحافظة بالدرجة الأولى ولأبناء الوطن أجمعين.. الدموع التي انهمرت من قبل المارة عند رؤية المشهد المؤلم الذي حدث في مبنى المحافظة من عمليات سلب وسرقة المحتويات، وكذلك عمليات حرق المكاتب، عبّرت خير تعبير عن ثقافة أبناء المحافظة المحبين للسلام والعيش بهدوء بعيداً عن تلك المظاهر الغريبة عن ثقافة أهل الجبل وتربيتهم، وما تبعه من رفض شعبي ضجّت به وسائل التواصل الاجتماعي لحالة الفوضى التي أراد مجموعة من الشبان إحداثها والاستمرار فيها، بذريعة صعوبة الأوضاع المعيشية، وكلّ الآراء كانت متحدة حول إدانة ما حصل، ومحاسبة كل مخرب، وكل من حرق ودمّر.

تساؤلات مهمة 

ما حصل، هل هو متعلق بلقمة العيش حقاً، أم هو المخطط ذاته تديره أياد خارجية بأدوات داخلية تبحث في كل وقت عن لحظة انقضاض مناسبة في هذه البقعة أو تلك من سورية؟

لا شك أن السويداء شكلت منذ بداية الحرب حجر عثرة في وجه مخططاتهم منذ معركة مطار الثعلة، ووقوف أبناء المحافظة خلف أبطال الجيش العربي السوري ليقطعوا سبل السيطرة على المطار. كما لا ينسى أي سوري كيف اجتمع آلاف الشبان خلال أقل من ساعتين، فجراً، موزعين على جبهة طولها نحو ١٠٠ كيلو متر بشكل عفوي متسلحين بإرث وطني وحضاري يصل بامتداده إلى الثورة السورية الكبرى؛ فالمشكلة في السويداء ليست مشكلة وعي عام، لأن درجة الوعي الوطني في هذه المحافظة في أعلى مستوياته، كما يقول المهندس أنور الحسنية، الذي أكد أن أبناء السويداء هم أول من ينادي بتطبيق القانون على الجميع ومن أجل الجميع، وبسط سلطة الدولة في إطار وعي عام لما يخطط لهذه المحافظة وللقطر. ويضيف الحسنية: إن الوضع المعيشي الضاغط يتطلّب صبراً وتحملاً وإرادة من قبل المواطن، كذلك يتطلب إجراءات حكومية عاجلة، وأن تتحول هموم المواطن إلى مهام يومية لكل مسؤول في هذا الوطن.

شماعة الفساد

الفساد وسوء الإدارة والوضع المعيشي كان الشماعة التي تلطى وراءها الخارجون على القانون في نزولهم إلى الشوارع، لينقضوا بعد أقل من ساعة على مؤسسات الدولة وفق مشهد طالما عرفته محافظات عديدة خلال سنوات ماضية، ولاشك في أن أبناء السويداء ليسوا مع أعمال التخريب التي لا تخلق سوى مزيد من الآلام ومزيد من المعاناة.

هنا يقول عضو مجلس الشعب اللواء نسيب أبو محمود إن ما جرى من قبل من عاث وخرب ودمر بمبنى المحافظة الذي هو ملك للناس، ومن أجلهم، مدان من قبل كل أهالي المحافظة، معبراً عن استغرابه الشديد لعدم قيام المكتب التنفيذي في المحافظة ومجلس المدينة بأي دور من أجل تجنّب ما حدث، ووصلت إليه الأمور، مثمناً الدور الحكيم للأجهزة التنفيذية الأخرى التي كان تصرفها وابتعادها من أجل ألا يراق الدم في السويداء نتيجة فعل وردة فعل تؤدي لسقوط مزيد من الضحايا.

ملتقى الوطنيين 

وإذا كانت عملية حرق أجزاء من مبنى السرايا الحكومي مدبرة ومقصودة، فإن ذلك يعود لعوامل مهمة، منها أهمية هذا البناء ورمزيته، حيث يعود بالذاكرة لنحو ١٠٠ عام في هندسته انعكاساً لحقبة تاريخية مهمة، وإن بان ظاهرياً اليوم كمبنى حديث إلا أن بناءه يصنف كنمط معماري يعود إلى عام 1924، ولن تجد مكاناً أكثر منه يعبّر عن عمق العلاقة التاريخية بينه وبين حجر البازلت في “السويداء”، وهو ما زال يستقبل الزوار والمراجعين ليصبح مركز الإدارة والشؤون العامة والمرجع الخدمي لأهالي المحافظة منذ تأسيسه إلى يومنا هذا.

يقول الباحث معين العماطوري إن المبنى أخذ صفة التميّز بالمنظر الجمالي لأهمية موقعه الجغرافي، وإقبال الناس عليه ورمزيته باعتباره المكان الذي استقبل فيه الأهالي الثوار بعد عودتهم من المنفى في ذلك الوقت، مشيراً إلى أن عملية تشييد المبنى تمّت على عدة مراحل، فكانت المرحلة الأولى متزامنة مع إنشاء مشفى تحول فيما بعد لثانوية سميت بثانوية “الفتاة”، ومنزل عرف تاريخياً وما زال باسم بيت المحافظ، بحيث كل من تسلم منصب محافظ سكن فيه، ولعلّ الباحث المتعمق في جذور التاريخ يعلم أن البناء سُمي بالسرايا نسبة إلى الضابط الفرنسي “سراي”، الذي كان مندوباً فرنسياً إلى جبل العرب، وهناك مدونات ربما لم تصل إلى المعلومات ذات الدقة، إلا أن المعلومات التاريخية والصور التوثيقية تشير إلى أن بناء السرايا أو بناء الحكومة، تم في عهد الاستعمار الفرنسي، ولعل الاختلاف هو في الزمن الذي شيّد فيه، ولكن الطريقة الهندسية واضحة المعالم وتنمّ عن علاقة تربط بين المبنى والمجتمع، والأهم أن بناءه تم بسواعد أهالي الجبل، ولكن لم يكن البناء وتنفيذه بعيداً عن العلم، فالمكان جهز وفق مخططات هندسية علمية، وشيد بجانبه متحف حمل أهمية بالغة، وقام بعض الفرنسيين بجمع الآثار التي كانت فيه ثم نقلوها إلى متاحف أخرى إبان الاستقلال.

دعوات الترميم

اليوم عادت عجلة تقديم الخدمات للدوران بعد إزالة آثار التخريب، وقد تم تجهيز مجموعة مكاتب مؤقتة لتقديم الخدمات للمواطنين، ورغم أنه لم يتم بعد حصر الأضرار، حسب رئيس مجلس المحافظة، رسمي العيسمي، إلا أنها كبيرة، ولكن تقديم الخدمات سيستمر بأي شكل من الأشكال، واللافت انطلاق الدعوات لجمع التبرعات وترميم المبنى من قبل أهالي المحافظة، حيث أكد العيسمي أنه سيتم تنظيم عملية جمع التبرعات وإحداث صندوق خاص بذلك، وما توافد أبناء المحافظة من كافة المناطق والتعبير ليس فقط عن الإدانة، بل للمساهمة في عمليات الترميم والحفاظ على المبنى، وهذا واجب أخلاقي ووطني ولا يجوز المساس به تحت أي ظرف، حسب تصريحات الوفود ذاتها.

فراغ قاتل 

وأكثر ما آلم أبناء السويداء تلك الأصوات “النشاز” التي شكّكت بوطنيتهم، وتلك الأصوات لا تقلّ تخريباً وتدميراً عن أصوات المأجورين الخارجين عن القانون. وإذا كانت عملية التخريب تلك أعادت لنا أهمية التصاقنا بمؤسساتنا الوطنية، والتي كانت ولا تزال وستبقى خطّاً أحمر لن يسمح  لأحد بتجاوزه، كذلك لا يسمح لأحد ببيع وثائق حسن السلوك والوطنية التي صنعت أختامها في معارك الثورة السورية الكبرى وما تبعها من مواقف مشرفة لأبناء المحافظة البطلة التي لم ولن تفقد البوصلة، وستبقي السويداء كما أرادها سيد الوطن “الصخرة الأقوى” العصية على الاختراق.