نادر السباعي يعود إلى حلب مع السبع الأشهب
غالية خوجة
الكاتب الحلبي نادر السباعي (1941ـ 2009)، عضو اتحاد الكتّاب العرب والذي درّس الفلسفة وعلم الاجتماع في ثانويات حلب، كان محور مهرجان شكيب الجابري لهذه الدورة التي استعادت آثار الراحل الذي يخبرنا مع أبطال مجموعته القصصية “أقنعة من زجاج” (1980)، بأنها شخصيات بسيطة تكافح من أجل الحياة والأحلام، تاركاً جزءاً من سيرته الذاتية في ذاكرة هذه الشخصيات، ليأخذنا مع مجموعته “حبل المساكين” إلى أحداثها المختلفة، وينتقل بنا إلى ضمير الراوي العالم بكل شيء في روايته “السبع الأشهب” عام 1999 التي فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي.
ضمن هذه الذكريات احتفت مديرية ثقافة حلب بحضور ابنته، زهى نادر السباعي، والعديد من الأدباء والأديبات من معاصريه، إضافة لدار النشر التي أسسها “مركز الإنماء الحضاري”، والتي طبعت لأغلب كتّاب وفناني حلب الذين عرفوه، خصوصاً، في جلسات مقهى فندق “السياحي” الذي دمّره الإرهاب مع الكثير من الظلال التي ما زالت جالسة على الطاولات التي كانت هنا.. وما زالت تنتظر.
وتناولت الجلسات الأربع التي عُقدت على مدار يومين الفضاء الحكائي، وتقنيات السرد، وزوايا الرؤية، وأبعاد التفكير الاجتماعي والوطني والثقافي والكتابي في أعمال نادر السباعي.
ورأى د. فايز الداية أن السباعي أديب له علامات تجب العودة إليها في عوالم القصة القصيرة والرواية، فهو يحاول رسم الواقع بجولة مركّبة في وجوه غريبة وبعيدة، لكنها تجتمع في بلورة سحرية يلمع وميضها وتترك دلالاتها، فمثلاً، روايته “السبع الأشهب”، مغامرة في تقنيات السرد، متماهية مع ألف ليلة وليلة، أطلقت نداءاتها المعاصرة، وذهبت فصولها في رسائل الأديب الذي يروي بعضاً من سيرته وسيرة مدينة حلب، وكيف امتدت الخطوات من مواجهة الوالي إلى أرجاء الوطن الكبير، وكانت الأيام الأندلسية توحي بإشارات المستقبل الذي يدرك تجاوز الأخطاء وينير الطريق.
بدوره، أكد الكاتب نذير جعفر على تجاوز السباعي للحبكة التقليدية، وتفكيك الحدث، والتنويع في السرد بين الضمائر الثلاثة وهي المتكلم والمخاطب والغائب، في مجموعته “حبل المساكين” محاولاً إحياء النص الكلاسيكي، مستمداً شخوصه من البيئة الشعبية، ومنها عبد السلام مملوك وزعيم النحاس، وكيف هي أحياء لا ترى الشمس، وهي ما عكسته أغلب عناوينه ومنها قصصه “القرار”، “الأرغيولي”، “الجراد”، “حبل المساكين”، “الأيام الأخيرة”، إضافة إلى أن النص كائن مستقلٌّ بذاته، وله مرجعه الاجتماعي وشبكته من العلاقات، وهذه الكلاسيكية ترافقت مع وعي مثالي وموقف محافظ، لكن البراعة لمعت في مشكلة التقاط الزمن وانعكاس ذلك على شخصياته المتعاطفة مثل كاتبها مع الماضي لأنه التراث والقيم والعادات الأصيلة.
ولفت جعفر إلى السباعي ككاتب منتم لوطنه وقضاياه، ومنها فلسطين التي كتب عن معاناتها، وكيف عكس مشاعره وأفكاره من خلال قصتيه “يوم من حجر”، و”الانتظار”، وبالمقابل لديه غياب الأب يعني غياب الوطن وذلك في بعض قصصه.
كما قرأ الأديب محمد جمعة حمادة قصة من قصص نادر السباعي من المجموعة ذاتها “حبل المساكين”، لافتاً إلى الفنيات الناتجة عن الواقعية الحكائية ولاسيما زوايا الرؤية.
وركزت د. أمينة الحمد على مجموعته “الغابة النائمة” راصدة فيها واقع المجتمع السوداوي الذي تناوله من خلال إضاءته لقضايا تتعلق بالفقر والطبقية وتفكّك العلاقات الأسرية، وأيضاً، تناول بعض القضايا النفسية، ومنها قلق المرأة العاطفي وكتمانها مشاعرها، وهي المجموعة ذاتها التي قدم فيها الأديب إبراهيم كسار ورقة أخرى.
ورأت الحمد أن قصص “الغابة النائمة” تندرج فيما يسمّى بأدب “الديستوبيا”، أو أدب المدينة الفاسدة، لأنه في كل قصة يشير إلى قيمة سلبية اجتماعية أو نفسية تسود المجتمع ويؤدي انتشارها إلى خدش إنسانية الإنسان والتعدي على حريته وكرامته، مؤكدة أن الفضاء القصصي كان حاملاً للقيم والمعاني التي أراد الكاتب نقلها إلى المتلقي.
وبدوره، ركّز الأديب محمد سمية على الرؤية الفكرية في كتاب السباعي “المغامر ابن خلدون”، وكيف اتبع أسلوباً روائياً في عرض أفكاره، جاعلاً من ابن خلدون بطلاً للعمل الأقرب إلى الواقعية ضمن ما يسمّى “تأريخ الأدب”، بحكائية مشوقة وروائية ممتعة مضافاً لها “كليشيهات” من الرسوم بالأبيض والأسود، وعناوين فرعية تختزل الحكمة، تجذب القارئ نحو البطل المغامر الذي فقد أهله بالطاعون، وكانوا من أصول أندلسية، ليسافر إلى بلاد المغرب العربي ويستقر في الجزائر ويتزوج، وديدنه التقرب من أصحاب النفوذ والولاة والأمراء والملوك والسلاطين باحثاً عن الجاه والمال والمنصب، وكيف تنقلب عليه الأحداث، أحياناً، لدرجة أن أحد الولاة أدخله السجن ذات يوم.
وأضاف: أثّر بمشاعري كثيراً ما كتبه بخط يده وتوقيعه في بداية الكتاب بعنوان “بطاقة حُب”: “أيها الإنسان لقد جُبلت بطينة عطّرها الحزن، وضمّخها الألم في رداء الليل القاسي، عزيمتك الصلبة يا أبي تشدني دائماً إلى موطن الكفاح مع رحيق آلام ابن خلدون”.
وكان لمجموعة “نجوم بلا ضياء” قراءة في الفضاءات والتقنيات قدمتها كل من د. نسرين الصالح، ونور عباس.
وقد خصّت ابنته، زهى، “البعث” بقولها: والدي، رحمه الله، كان بسيطاً جداً، وطيباً، وهو ذاته مع أصدقائه والأدباء وفي البيت، وشعرت بأنني خسرتُ صديقاً عندما توفي، لأني كنت أتناقش معه بكل شيء، وفي كل القضايا الفكرية والثقافية والمعيشية، وكنت أقرأ له ما يكتبه، وكان يكتب بخط يده، ليستمع بصوتي لما كتبه كمتلقّ لأعماله، وكنت أجلس قربه، أحياناً، أثناء الكتابة لأقرأ بعينيّ وقلبي.