دراساتصحيفة البعث

“حقوق الإنسان” ذريعة للأجندة السياسية الأمريكية في اليمن

سمر سامي السمارة 

بينما يتنقل المسؤولون الأمريكيون في كافة أصقاع العالم لإلقاء محاضرات حول حقوق الإنسان، يتهم العالم نفسه واشنطن بأنها المنتهك الأول لهذه الحقوق. ولعل الحرب التي شنها التحالف السعودي بتحريض ودعم من الدول الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص على اليمن، هي خير مثال على ذلك.

فبضغط من الأوساط الأمريكية الحاكمة، أعلن التحالف في 25 آذار 2015 الحرب على اليمن، حيث تحولت الحرب “المحدودة في طبيعتها” بحسب زعم التحالف، إلى حرب استمرت ثماني سنوات من القصف الجوي شبه اليومي على كافة المحافظات اليمنية. وإلى اليوم لا تزال هذه الحرب – التي تستثمرها “ديمقراطية” الولايات المتحدة دون خجل- تجلب الكثير من المصاعب والمحن لليمنيين.

بعد هذه السنوات الطويلة من الحرب، بات واضحاً أن قائمة الدعم الأمريكي للتحالف في حربه على اليمن طويلة جداً لدرجة أن كبار المسؤولين اليمنيين باتوا يدركون إن أمريكا هي التي بدأت الحرب ضد بلدهم باستخدام دول التحالف “كوكلاء” لها.

وتتهم منظمات حقوقية دول غربية أخرى بالتواطؤ بارتكاب جرائم حرب بحق الشعب اليمني الأعزل، لكن الولايات المتحدة نفسها التي تدعي “الديمقراطية” تظل صامتة بشكل واضح حول ما يحصل، حتى أنها لا تمنع وسائل إعلامها فحسب، ولكن وسائل الإعلام الغربية أيضاً من الكتابة عن هذه المجازر والتداعيات السلبية التي خلفتها.

في آذار 2015، ظهرت مجموعة من السياسيين والاقتصاديين والممولين الأمريكيين الذين حرضوا دول التحالف في حربها على اليمن، الأمر الذي استوجب شراءها لمجموعة واسعة من الأسلحة من المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.

من الطبيعي أن تكون أسعار هذه الأسلحة مرتفعة للغاية، ومع ذلك لم تناقش دول التحالف التكلفة، حتى أنها اشترت أسلحة بكميات كبيرة لحرب مستقبلية، لكن بعد أن علقت في هذه الحرب الصعبة ضد الشعب اليمني، لم تستطع اتخاذ أي خطوات مستقلة على الساحة الدولية، لكنها استمرت في اتباع  سياسة واشنطن.

وإلى جانب ذلك، كانت إدارة واشنطن تشعر بالإرتياح لأن  دول التحالف “لقنت درساً” لليمنيين، للانتقام من حرب الطائرات بدون طيار الفاشلة ضد اليمن التي أطلقها البنتاغون طوال عقد كامل.

عندما اندلعت الحرب على اليمن، قدمت وزارة الدفاع الأمريكية على الفور أسلحة بمئات المليارات من الدولارات للتحالف، ومن بين العديد من أنواع الدعم الأخرى التي قدمتها خلال الحرب كانت المنتجات الاستخباراتية التي يجب استهدافها من قبل الطائرات الحربية أمريكية الصنع. كما قدم البنتاغون المشورة العسكرية والدعم اللوجستي، مثل تزويد الطائرات العسكرية بالوقود جواً، بينما قالت واشنطن إنها سمحت للمتعاقدين الأمريكيين بخدمة الطائرات العسكرية للتحالف.

لكن الأمور لم تسر كما خططت لها أمريكا، فلم تتوقع واشنطن المقاومة الشجاعة للشعب اليمني ودعمه للجان الشعبية. كان على البنتاغون التدخل بشكل عاجل في الأعمال العدائية، ليس فقط بالتزويد بالأسلحة الحديثة، ولكن أيضاً بأنظمة الدفاع الجوي. ومع ذلك، شن اليمنيون عدة ضربات دقيقة ضد قوات التحالف.

لكن الحرب خلقت وضعاً صعباً للغاية للمدنيين الذين يعيشون في أفقر دولة في غرب آسيا، خاصة للأطفال اليمنيين الذين يعانون من ظروف إنسانية لا توصف. في الواقع، لقى مئات الآلاف من اليمينين مصرعهم خلال الأعمال العدائية بسبب قنابل أمريكية الصنع، حيث قام طيارو التحالف الذين دربتهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، باستخدام الطائرات الأمريكية بدفع من الإستخبارات العسكرية الأمريكية بإلقاء قنابل أمريكية على منازل ومدارس ومستشفيات وصالات عزاء ومنظمات إنسانية أجنبية، ما أجبرهم على سحب العاملين من البلاد.

من الأهمية بمكان الإشارة إلى ما نشرته مؤخراً مجموعة المراقبة اليمنية، منظمة “انتصاف لحقوق المرأة والطفل”، فبحسب المنظمة، تم قتل وإصابة 8116 طفلاً منذ بداية الحرب، فضلاً عن إصابة 5559 طفل يمني بإعاقة نتيجة الأعمال العدائية منذ بداية. كما وثقت المنظمة، أن 632 ألف طفل يمني يعانون من سوء التغذية الحاد الذي يهدد بقائهم على قيد الحياة خلال العام الحالي. بالإضافة 2400000 طفل منقطعين عن مدارسهم، وبذلك يشكلون جيلاً بلا تعليم.

وأضافت المنظمة بأن عدد اليمنيين ذوي الإعاقة ارتفع من ثلاثة ملايين قبل بدء الحرب المدعومة من الولايات المتحدة إلى 4.5 مليون إصابة اليوم. وهذا يسلط الضوء على تداعيات الحصار الشامل على اليمن، والذي وضع مجاله الجوي والبحري والأرضي تحت حصار غير مسبوق من قبل الغرب.

كما لفتت المنظمة الانتباه إلى ازدياد عمالة الأطفال في اليمن بسبب العدوان والحصار الشامل، مشيرة إلى أن 1.4 مليون طفل عامل محرومون من أبسط حقوقهم، وأن حوالي 34.3٪ من الأطفال العاملين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و 17عاماً. وبذلك يكون عدد الأطفال العاملين قد تضاعف خلال الحرب أربع مرات  عما كان عليه قبل بدء الحرب في اليمن.

في قطاع الرعاية الصحية، يُذكر أن المستشفيات العامة والخاصة في جميع أنحاء البلاد تواجه خطر الإغلاق بسبب الحصار، واحتجاز السفن التي تحتوي على مشتقات نفطية.

وتحمًل المنظمة التحالف المدعوم من الولايات المتحدة، المسؤولية عن جميع الجرائم والانتهاكات ضد المدنيين، وخاصة الأطفال، في السنوات الثماني الأخيرة الماضية. داعية المجتمع الدولي والمنظمات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية إلى محاسبتها عن الانتهاكات والمجازر الشنيعة التي استهدفت المدنيين. كما دعت المنظمة المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فعالة وإيجابية لإنهاء العدوان والحصار ضد المدنيين، وتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جميع الجرائم المرتكبة بحق الشعب اليمني، وتقديم كل من يثبت التواطؤ إلى العدالة.

في شهر آب عام 2018، أفاد الخبراء المعنيون بالذخائر أن القنبلة التي أطلقتها طائرات الحالف وقتلت عشرات الأطفال اليمنيين في حافلة مدرسية كانت قنبلة مارك 82 الموجهة بالليزر، وتزن 500 رطل من صنع شركة لوكهيد مارتن، إحدى أكبر الشركات المصنعة للأسلحة في أمريكا.

تم إرسال صور الشظية التي تم التقاطها بعد الهجوم مباشرة إلى شبكة “سي إن إن”، وقام مصور يعمل لدى الشركة بتصوير الشظايا، حيث أكد الخبراء المعنيون بالذخائر أن الأرقام الموجودة عليها حددت شركة “لوكهيد مارتن” على أنها الشركة المصنعة لها.

وذكر تقرير شبكة “سي إن إن” إن بعض الجثث كانت مشوهة لدرجة أن التعرف عليها كان مستحيلاً، تاركة وراءها قصاصات من الكتب المدرسية ومعدن مشوه وحقيبة ظهر واحدة. ومن بين الـ 51 شخص الذين لقوا حتفهم في الهجوم، كان 40 منهم من الأطفال. كما أُصيب 79 آخرون، 56 منهم ايضاً من الاطفال.

ومن بين عشرات الآلاف من الغارات الجوية للتحالف، وثقت شبكة “سي إن إن” أيضاً غارة أخرى أصابت سوق بواسطة قنبلة مارك  82 الموجهة بالليزر  والتي أدت إلى استشهاد 97 يمنياً. كانت القنبلة شبيهة جداً بتلك التي استهدفت قاعة العزاء في تشرين الأول 2016، ما أسفر عن مقتل المئات وإصابة عدد لا يحصى من الآخرين.

من المؤكد أن ما ذكرناه ليس إلا أمثلة قليلة عن عشرات الآلاف من الغارات التي استخدمت الأسلحة الأمريكية لترهيب الشعب اليمني وإجباره على الخضوع، ومع ذلك، أظهر  اليمنيون قدرة كبيرة على المقاومة.

كان واضحاً خلال الحرب على اليمن استهتار واشنطن الكامل بحقوق الإنسان ومحاولاتها حرمان الأطفال من حقهم في الحياة، ومن المؤكد أن هذا لا ينطبق فقط على اليمن، ولكن على الحروب الأمريكية في جميع أنحاء العالم التي تسببت في معاناة غير مسبوقة للأطفال، من كوبا وفيتنام إلى غرب آسيا وما وراءها.

هي الولايات المتحدة نفسها التي تدعي أنها حاملة راية حقوق الإنسان، تستخدم هذه الذريعة لأجندتها السياسية في مهاجمة العديد من البلدان الأخرى.