ثقافةصحيفة البعث

صلاح فضل.. ضمير النقد العربي

أحمد علي هلال

في الندوة السنوية لجمعية النقد في اتحاد الكتّاب العرب بدمشق، حول النظرية النقدية العربية، غيابها أم حضورها، سألتُ الناقد الكبير صلاح فضل: هل يمكن أن يكون لدينا نظرية عربية؟ أجاب عن أسئلة الزملاء سريعاً وخصّ السؤال بجواب شامل قال: هل سمعت بنظرية إنكليزية أو فرنسية أو ألمانية، ثمّة نقد إنكليزي أو فرنسي أو ألماني.. ليذهب صاحب الهاجس المعرفي الأكبر إلى إنجاز تصوراته في المنهج في النقد العربي، كتاباً وتطبيقاً وإثارة للجدل في فحوى العملية النقدية، فهو منشط الثقافة النقدية والباحث عميقاً في أنساقها وسياقاتها ومنعطفاتها الحرجة.

لن تختزل الكلمات سيرته الوارفة بحثاً وإبداعاً وما أودعه في بنك اللغة والنقد، من سبائك فكرية مازال يلتمع ذهبها في أروقة الثقافة العربية والفكر النقدي، وقراءة الإبداع العربي، قراءة لأجناسه المختلفة، فصاحب كتاب نظرية البنائية في النقد الأدبي، وغيرها الكثير، كان حاملاً لمشروع تنويري يفتح في أفق البحث الأدبي باتجاهات جديدة تقرأ النص بوصفه علامة، كما أصبحت إنجازاته في هذا السياق هي كبرى العلامات، هو المهجوس بأفق عروبي قومي يستقرئ من الإبداع ظواهره الأكثر جمالاً، ويستبطن في الآن ذاته ما يجعل من الإبداع “ارتياداً لأفق جديد في التحليل النقدي من منظور تطبيقي”، فهو المتطير “من الوقوف عند التكوينات النظرية والتعثر في الأسماء والمصطلحات والإغراق في الأفكار والمبادئ، والجدل هو مشروعيتها، مما يجعل التجربة العملية في التشرّب والتوظيف هي المحك الفاصل في مدى الجدوى والجدية”.

هو القارئ لما بعد المنهج السيميولوجي مستكملاً اختباره ببحوثه بيقين نقديّ، لنذهب لجماليات الواقعية في خط الأفق المنهجي للناقد صلاح فضل ذهاباً للفتوحات الشعرية في القصّ والقصيد، واختباراً لدرجات الصدق الفني في الأعمال الأدبية، وأبعد من ذلك لقياس كفاءتها الدلالية وطرائقها في الترميز والتكثيف، ذلك ما عناه الناقد صلاح فضل بمفهومه للشعرية، فهو الناقد المثقف الذي يسبغ معرفته على النصوص بكل انتباه لما تمثله هذه النصوص في مراياه وحدوسه، والأدلّ في هذا السياق أن استقراء مشروع الناقد صلاح فضل سيعني محصلة ثقافية شاملة لاشتغالات الدرس النقدي في غير علامة من علامات الإبداع، فخطاب طريقته في كشف الكشف سيبقى موقعاً باسمه، إذ الاسم ما ينفك أن يمثل هوية بذاتها، ذلك هو مستقبل النقد العربي –رغم مآزقه الكثيرة- وانعطافاته الحاسمة، يرحل مطمئناً إلى ما أنجزه، وليدلّ ذلك الإنجاز على حيوات خصبة مترعة بدورة الثقافة النقدية وممارستها الخلاقة.