زيارات “رباعية الدفع”
معن غادري
يصعب التكهن بما سيؤول إليه المشهد الاقتصادي والمعيشي، في ضوء ما يستجد يومياً من أزمات ضاغطة وخانقة، أكثرها تأثيراً أزمة المحروقات، والتي ألقت بثقلها على مختلف قطاعات الحياة وأثرت سلباً على دورة الانتاج المتعثرة أصلاً.
وبعيداً عن الأسباب المباشرة لأزمة المحروقات، والمتمثلة بالحصار الاقتصادي المفروض على الشعب السوري، وقيام دول الشر بحجز ومنع وصول ناقلات النفط القادمة إلى الموانىء السورية، يرى كثيرون أن الاستجابة الضعيفة والمترددة تجاه المتغيرات والمتبدلات وحالات الطوارىء، شكلت عاملاً إضافياً لتزايد وتفاقم الأزمات، إذ كان يتوجب على أن تكون هناك خططاً بديلة لمواجهة أي حالة طارئة كالتي نشهدها اليوم.
ما نسوقه اليوم ليس من باب التشاؤم، ولكن المرحلة الراهنة تتطلب أن نكون واقعيين، وأن نسمي الأمور بمسمياتها دون تجميل وتلميع، فعندما نتحدث عن زيارات وجولات إطلاعية وتفقدية للمحافظات – ومنها حلب، على سبيل المثال – في مثل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، تضم العشرات من المرافقين بطوابير سياراتهم “رباعية الدفع”، مع إقامة كاملة في فنادق من سوية 5 نجوم، ناهيك عن الامتيازات الأخرى من ( …؟! )، وعندما تقام الندوات والمؤتمرات والاحتفالات الفنية وغيرها من الاحتفالات في غير وقتها، تحت مسميات متعددة، وتصرف عليها المليارات، نجد أن المشكلة كبيرة ومستعصية، تكمن في عقلية الإدارة والممارسة غير الواضحة، وتندرج تحت بند الهدر غير المبرر.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه المعادلة: هل نجحت هذه الزيارات والجولات، والتي غالباً ما تأخذ الطابع السياحي والترفيهي، في تغيير المشهد نحو الأفضل؟ وهل ساهمت الاجتماعات على وفرتها، وما يسمى منها – اجتماعات نوعية – في إحداث فارق واضح وملموس على مستوى الانتاج والنمو ؟
أسئلة نضعها برسم الفريق الحكومي، والمطلوب منه إجراء مراجعة لمفردات العمل، والتوقف ملياً عند حالات الخلل والترهل والقصور والفساد، واتخاذ قرارات جريئة غير قابلة للالتفاف والمداورة والتمييع، والتوقف عن إطلاق الشعارات الرنانة والتي سرعان ما تفرغها الإدارات من مضمونها لسوء أدائها وتنفيذها، وهو حال معظم مفاصل العمل في مؤسسات ومديريات حلب على وجه التحديد، والتي تراوح إلى الوراء وحركة دورانها أشبه بطواحين الهواء.
ومن باب التفاؤل، نعتقد، بل نجزم، أن تغيير هذه الصورة التشاؤمية متاح وممكن فيما لو تولدت الإرادة والنوايا الصادقة لدى كافة الشركاء، ومن منطلق المسؤولية الوطنية في استثمار وتوظيف الإمكانات المتوفرة في مكانها وزمانها الصحيحين، وتعزيز بناء القدرات في مختلف المجالات، ووضع الخطط والبرامج والرؤى والاستراتيجيّات الآنية وبعيدة المدى في خدمة الصالح العام، بعيداً عن استغلال المواقع والمناصب لتحقيق مكاسب ومنافع ضيقة، وهو الطريق الأسرع والأسهل لمواجهة مجمل التحديات والتغلب على الصعوبات.
وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة الانتقال من العمل المكتبي إلى العمل الميداني والكف عن لعبة تدوير الزوايا وتبادل الكراسي والمواقع والتخفيف ما أمكن من الاحتفالات والزيارات والندوات والمحاضرات، واستبدالها بما هو أجدى و أنفع خلال هذه المرحلة والمرحلة القادمة، والتي تتطلب جهداً وطنياً خالصاً.