مجرد قمة وشعارات إستراتيجية فارغة
عناية ناصر
من المقرّر أن يحضر العشرات من القادة الأفارقة قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في الفترة من 13 إلى 15 كانون الأول الجاري في واشنطن، وفقاً لـ صحيفة “بوليتيكو”.
وقد عقدت الولايات المتحدة على مدار العام سلسلة من القمم، لدرجة يعتقد المرء أن القارة الأفريقية هي القطعة الوحيدة المتبقية لواشنطن لإكمال “لغز دبلوماسية القمة”، إذ ليس من الصعوبة بمكان رؤية أن الهدف الرئيسي لواشنطن من استضافة هذه القمة هو الاستعراض، خاصةً وأنه لا يزال هناك بعض الوقت قبل القمة، وربما لا يزال البيت الأبيض يفكر فيما إذا كان سيرتب اجتماعاً فردياً مع بايدن، حيث ترسل وسائل الإعلام الأمريكية إشارة تشير إلى أن البيت الأبيض يفتقر إلى دراسة متأنية، في دليل يكشف عن الازدواجية المستمرة في سياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا.
في المقابل، وفي سياق النظر في كيفية التنافس مع الصين، أخذ بايدن في الاعتبار أهمية الدول الأفريقية، ويحاول الآن كسب أفريقيا إلى جانبه، من خلال إطلاق عدد من المبادرات، بما فيها “إعادة بناء عالم أفضل”، و”مبادرة الطاقة لأفريقيا”، و”قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا”. كان الهدف من وراء هذه القمم محاولة تحويل أفريقيا إلى بيدق بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، بدلاً من تقديم المساعدة العملية للدول والشعوب الأفريقية بصدق.
وفي محاولة لجذبهم، قدّمت واشنطن وعوداً كثيرة، لكن النتائج النهائية كانت ضئيلة جداً بالنسبة لقارة فيها عدد كبير نسبياً من الدول النامية، وتتطلّب مساعدة الدول الأفريقية توفير مبالغ كبيرة من الأموال والتكنولوجيا والموظفين التقنيين.
يقول لي هايدونغ، الأستاذ بمعهد العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية: “في ظل البيئة السياسية المحلية الحالية في الولايات المتحدة، وخاصة في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب العام المقبل، حتى لو عقدت إدارة بايدن هذه القمة، فمن غير المؤكد حجم المساعدة التي يمكن أن تقدمها لأفريقيا”.
كما أشار هي ون بينغ، مدير قسم الدراسات الأفريقية في معهد دراسات غرب آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إلى أن الولايات المتحدة لم يكن لديها أبداً خطة مفصّلة تجاه أفريقيا، بل مجرد شعارات إستراتيجية فارغة، حيث لم توضح خلال السنوات القليلة الماضية أبداً عدد محطات الطاقة التي شيدتها لأفريقيا، أو عدد شبكات نقل الطاقة التي أنشأتها. بينما في الصين، على العكس من ذلك، كان هناك دائماً نقاشاً حقيقياً في منتدى التعاون الصيني الأفريقي، حول المجالات التي يمكن التعاون فيها، ومقدار المساعدة المالية التي يمكن تقديمها، وعدد مراكز التكنولوجيا الزراعية التي يمكن بناؤها.
استمرت العلاقات بين الصين والدول الأفريقية لأجيال، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فلطالما أظهرت التبادلات بين الصين وأفريقيا من جميع الجوانب اتجاهاً متزايداً نحو التعزيز. كما أن التغييرات في البيئة الدولية، أو في قيادة الدول الأفريقية لم تؤثر عليها، وذلك لأن العلاقات الثنائية شاملة ومرنة للغاية.
على النقيض من ذلك، لا تهدف استثمارات واشنطن في أفريقيا إلى تلبية احتياجات الدول الأفريقية، بل لاستخدامها للدخول في منافسة إستراتيجية مع الصين وجعل الدول الأفريقية تتبع المسار والمعايير الغربية، وذلك لأن واشنطن لم تفهم أبداً الأفكار الأفريقية وتحترمها تماماً، ناهيك عن كسب ثقة الشعوب الأفريقية، الأمر الذي يظهر أنه من المستحيل أن تحصل استراتيجياتها على الدعم الحقيقي من البلدان الأفريقية.
لقد تعرّضت أفريقيا للاستعمار والنهب من قبل الدول الغربية لفترة طويلة في التاريخ، ولن ينسى الأفارقة هذه الذكريات المؤلمة، كما جعلت العنصرية في الولايات المتحدة العديد من الدول الأفريقية تشعر بعدم الارتياح عند التعامل مع واشنطن. لذلك، إذا لم تكن سياسات الولايات المتحدة تجاه أفريقيا صادقة بما فيه الكفاية، فلن يؤدي ذلك إلى أية نتائج إيجابية.
لقد بات الأفارقة يدركون أن المبادرات الواحدة تلو الأخرى للمنافسة مع الصين ما هي إلا مجرد وعود فارغة، حيث أظهر استطلاع رأي عام عالمي جديد في 25 دولة أنه ينظر إلى الصين بشكل إيجابي من قبل الكثيرين في أفريقيا. كما أن للشعوب الأفريقية حكمها الخاص على من يلتزم حقاً برفاهية أفريقيا، حيث تلعب صور الصين والولايات المتحدة في عيون الدول الأفريقية أيضاً دوراً وظيفياً في إظهار لكثير من الدول أن الصين أكثر موثوقية وجدارة بالثقة وأكثر قابلية للتنبؤ من الولايات المتحدة.