أزماتنا مستمرة والقادم مجهول .. لماذا لا نستفيد من تجربة الثمانينيات؟!
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
معاناة السوريين من الأزمات ليست وليدة الحرب الحالية المستمرة منذ عام 2011 ، سواء كانت أزمات محروقات أو مواد غذائية وغيرها، فأيام الثمانينيات عانينا كثيراً من حصار اقتصادي وعقوبات، مبعث استحضار هذا الكلام يعود لتجدد الأزمات ولاسيما أزمة المحروقات والتي زادت عن حدها هذه الأيام بسبب ضعف التوريدات النفطية، وهذا ما أدى إلى شلل واضح في عمل المؤسسات، وسط غياب الحلول التي تخفف من حدتها!.
سؤال للحكومة
وسط هذه الحال التي يتراقص فيها الناس من البرد، وينتظرون لأكثر من 15 يوماً رسالة البنزين، ولأكثر من تسعين يوماً “المحروسة جرة الغاز” ونقص في بعض المواد الغذائية الأساسية وغيرها من مواد، وغلاء جنوني للأسعار، سأل الدكتورحسن حزوري ، أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب:لماذا لاتستفيد الحكومة من تجربة عقد الثمانينات من القرن الماضي في مواجهة الحصار؟، مشيراً إلى أن الحكومة في ذاك الوقت لم تكن قادرة على تأمين القطع الأجنبي للاستيراد، ووصل الأمر إلى عدم قدرتها علىإرسال رواتب الموفدين لأكثر من سنة، وكانت معظم المواد الأساسية مفقودة.
مواجهة الحصار
ولمواجهة الحصار والعقوبات، عملت الحكومة -بحسب حزوري- على محورين:الأول تجلى بتوجيهاتهالكل المعابربإدخال كل المواد المفقودة، والأساسية سواء كانت مع الركاب القادمين أو التجار، يقابل ذلك منع إخراج أي مادة غذائية، أو أساسية، مهما كان نوعها وكميتها طالما تؤثر على الأمن الغذائي،هذه الإجراءاتساهمت في توفير السلع الأساسية والمفقودة ، بشكل نسبي وبأسعار مقبولة.
أما المحور الثاني والأهم التي عملت عليه الحكومة فكانبدعم القطاع الزراعي بشكل خاص ومن ثم الصناعي، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، وهكذا خلال عدة سنوات انتقلنا من اقتصاد الندرة إلى اقتصاد الوفرة.
الاتجاه المعاكس!
أما الحكومة الحالية، فهي برأي أستاذ الاقتصاد تعمل بالاتجاه المعاكس تماماً، حيث تعيق إدخال أي مادة أساسية ومفقودة، وتحصر ذلك بعدد محدود من المستوردين، وبالمقابل تسمح بتصدير مواد أساسية، لانملك فائضاًإنتاجياً حقيقياً منها، والدليل أن نقصانها يؤثر اليوم بشكل واضح على حياة الناس ومستواهم المعيشي، الأمر الذي أدى إلى غلاء الأسعار والتضخم ، وأن كان الهدف تأمين قطع أجنبي–وفقاً للدكتور حزوري- فهناك وسائل أخرى يمكن من خلالها تغذية المصرف المركزي.
حاجة ماسة
الدكتور أوس درويش أيد وجهة نظر الدكتور حزوري، مؤكداً أننا اليوم بأمس الحاجةلدعم القطاع الزراعي، فسورية بلد زراعي بالأساس وخصوصاً في هذه الفترة العصيبة التي نمر بها، مشيراً إلى أن الحكومات المتعاقبة بدءاً من عام 2011 ولغاية اليوم لم تقم بأي خطوة ملموسة بهذا الاتجاه، حيث غابت الحلول التي تخفف المعاناة عن المواطن ولو بالحد الأدنى، وعزا الدكتور درويش أسباب هذا التعثر إلى عدم وجود هوية واضحة للاقتصاد السوري، لا حالياً ولا حتى في المستوى المنظور، وذلك بسبب عدم وجود خطة اقتصادية كان من المفترض أن تعمل عليها الحكومات المتعاقبة، وما زاد الطين بلة –بحسب الدكتور درويش- هو عدم تنبيأي خطة أوأيإستراتيجية معينة من قبل الفريق الاقتصادي فيما يخص دعم القطاع الزراعي والصناعي ومنع احتكار المواد من قبل تجار الأزمات ومحاولة ضبط سعر الصرف، علماً أننا اليوم أحوج من أي وقت مضى لتبني مثل هذه الخطة أو الإستراتيجية حتى نخرج ولو قليلاً من هذا الوضع طالماً العقوبات مستمرة، ولكن بشرط أن تطبق الخطة بشكل صحيح، لأن الخطة الاقتصادية إن طبقت بشكلها الخاطئ تعطي نتائج عكسية كما حدث عام 2005 عندما تم تبني خطة اقتصاد السوق الاجتماعي فأعطت نتائج عكسية.
أزمة إدارة!
المشكلة في ما نعانيه اليوم من أزمات متلاحقة يكمن في فوضى الإدارة، والتي تظهر في التخبط الواضح في عملية اتخاذ القرارات المهمة والأكثرأهمية وطريقة تطبيقها، وذلك بحسب قول الدكتورة غيداء سلمان – كلية الاقتصاد – جامعة حماة، والتي أكدت على أهمية البحث عن حلول لمشكلاتنا التي تتراكم لا مبررات غير مقنعة لأحد!.
ترى الدكتورة سلمان أن على فريق إدارةالأزمة أن يفكر خارج الصندوق بعيداً عن الروتين، فالبلد تحتاج إلى حلول سريعة ولو اسعافية رأفة بالمواطن الذي بدأ ينهار بشكل متسارع رغم صموده ومقاومته لكل ما مر بنا من ظروف قاسية.
ولفتت أستاذةالاقتصاد بجامعة حماة إلى أهمية إعادة النظر في كل الأمور والقضايا التي تشغل بال المواطن والجلوس بشفافية مع خبراء الاقتصاد والاستفادة من كافة الأفكار المطروحة من قبل الغيورين على مصلحة الوطن، فسورية لا زالت تمتلك الخيرات والموارد الاقتصادية والبشرية التي نعول عليها الكثير في اعمار البلد في المرحلة القادمة المليئة بالتحديات على كل الصعد.
بالمختصر، لم تنعدم الحلول بعد، بل هي متاحة، علينا فقط أن نحس إدارةالأزماتبالأفعال لا بالأقوال قبل فوات الأوان، وخاصة ما يتعلق بدعم قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، وتقديم التسهيلات في الاعتماد على الطاقة البديلة، وكل ما من شأنه التخفيف من المعاناة، وغير ذلك ستبقى الأزمات متلاحقة ومدمرة، وحينها لا ينفع الندم والبكاء على اللبن المسكوب.