مجلة البعث الأسبوعية

هل فعلاً زادت كتلة الرواتب والأجور في الموازنة العامة.. وإلى متى ستبقى وزارة المالية وصيّة على القطاع العام

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

في كل مرة تنجز فيها الحكومة الموازنة العامة للدولة  يسأل العامل بأجر: هل لحظت الموازنة زيادة جديدة في الرواتب والأجور؟

ولا يقتصر السؤال على العاملين بأجر فقط، فعدد كبير من نواب الشعب يوجهون السؤال إلى وزير المالية خلال مناقشة مشروع الموازنة: أين اعتمادات زيادة الرواتب؟

وعلى الرغم من الجواب الدائم لوزير المالية بأن الموازنة لا تلحظ الزيادة لأنها تُقر من فائض الموازنة، وليست بندا ثابتاً مثل البنود الأخرى، فإن العاملين بأجر يُصابون بالإحباط مع كل موازنة عامة للدولة لأنها لا ترصد أي اعتمادات ملحوظة لتحسين أوضاعهم المعيشية!

وزير المالية يؤكد الزيادة

وما يُميز الموازنة الجديدة التي صدرت مؤخرا بقانون،  أن وزير المالية تحدّث للمرة الأولى بعد إقرار مشروعها في مجلس الوزراء، عن زيادة في كتلة الرواتب والأجور والتعويضات بمقدار 524 مليار ليرة، أي زادت من 1590 مليار ليرة في موازنة عام 2022 إلى 2114 مليار ليرة في عام 2023 أي بنسبة زيادة (ورقية) بلغت 33%!

والسؤال: هل يعني حديث وزير المالية أن هناك زيادة قادمة للعاملين بأجر في عام2023 لا تقل عن 33 %؟

حسب أرقام (ورق) الموازنة فإن كتلة الرواتب والأجور زادت فعلا، لكن الأرقام قد تكون خدّاعة وتوحي بأن وزارة المالية رصدت 524 مليارا في اعتمادات موازنة 2023 لزيادة الرواتب، فهل هذا الانطباع صحيح في الوقت الذي يؤكد فيه الوزير أمام أعضاء مجلس الشعب إن الموازنة العامة للدولة لا ترصد أي اعتمادات لزيادة الرواتب، وإن الزيادة تأتي لاحقا وتُغطى من الفوائض والوفورات، سواء كانت من موازنة الدولة أم من الموازنات المستقلة للجهات العامة ؟

 

زيادة وهمية

ولو رجعنا إلى موازنة 2021 لاكتشفنا أن كتلة الرواتب والأجور زادت من 1030 مليار إلى 2114 مليار في موازنة 2022 أي بمقدار 1084 مليار بنسبة 105 % مما يعزز الوهم بأن الموازنات العامة للدولة ترصد الإعتمادات الثابتة لزيادة الرواتب والأجور.. فهل هذا صحيح؟

نظريا تراجعت نسبة الزيادة من 105 % في موازنة 2022 إلى 33 % في موازنة 2023 ، وكل هذه الاستنتاجات وهمية أو ورقية لا أساس لها فعلياً لأن ما من موازنة كما أشرنا ترصد مسبقاً أي زيادة للرواتب والأجور والتعويضات!

الزيادة في الرواتب والأجور في موازنة 2023 والبالغة 33 % عن موازنة 2022 هي عملية تسجيل، أي توثيق لمراسيم زيادات الرواتب والأجور التي صدرت عام 2022 أي لم يكن بإمكان وزارة المالية لحظها عند إعدادها لموازنة 2022 في الأشهر الأخيرة من عام 2021، بل إن مراسيم الزيادة صدرت أصلا بعد أسابيع قليلة من إقرار موازنة العام الماضي، وبالتالي لا زيادة بنسبة 33% في كتلة الرواتب والأجور في موازنة عام 2023، فهذه الزيادة حدثت العام الماضي، وإذا كانت هناك من زيادة فعلية لا ورقية فستصدر بمراسيم وتؤمن اعتماداتها من وفورات الموازنة كما جرت العادة دائما.

هل زادت أم انخفضت؟

والجانب الأهم من معرفة كتلة الرواتب والأجور، الإجابة على سؤال العاملين بأجر فيما إذا كانت هناك زيادة قادمة، هو السؤال: هل زادت أم انخفضت القوة الشرائية لكتلة الرواتب والأجور في الموازنات العامة للدولة خلال السنوات القليلة الماضية؟

لا تتجاوز القوة الشرائية لكتلة الرواتب والأجور والتعويضات والبالغة 2114 مليار ليرة في موازنة 2023 التي اعتمدت سعر صرف الدولار بمبلغ 3015 ليرة أكثر من 0.70 مليار دولار وتحديدا 701 مليون دولار.

والسؤال: هل ارتفعت القوة الشرائية لكتلة الرواتب والأجور الفعلية في موازنة عام 2023 عما كانت عليه في موازنة 2022؟

ورقياً ارتفعت الكتلة من 1590 مليار إلى 2114 مليار أي بمقدار 1084 مليار ليرة أي بنسبة تتجاوز 33%، لكن بما ان موازنة 2021 اعتمدت سعر صرف يبلغ 1256 ل س فهذا يعني أن القوة الشرائية لكتلة الرواتب والتعويضات في موازنة 2021 بلغت 0.82 مليار أي 820 مليون دولار وبالتالي هناك تراجع في القوة الشرائية لكتلة الرواتب والأجور بموازنة 2023 بحدود 119 مليون دولار!

أما كتلة الرواتب والأجور في موازنة 2022 الحالية التي اعتمدت سعر صرف 2512 ل س والبالغة 1590 مليار فتبلغ 0.63 مليار أي 632 مليون دولار ..ماذا نستنتج من هذه الأرقام؟

أن القوة الشرائية تنخفض مع كل موازنة جديدة فهي انخفضت من قيمتها الفعلية بقرار حكومي من 820 مليون دولار عام 2021 إلى 632 مليون دولار عام 2022 وارتفعت إلى 701 مليون دولار بفعل مراسيم الزيادة لكنها بقيت أقل من عام 2021 بمقدار 119 مليون دولار!

وبما أن التعويضات ليست ثابتة وقرار إنفاقها بيد وزارة المالية من جهة والإدارات الحكومية من جهة أخرى فإننا أمام تراجع هائل للقدرة الشرائية للعاملين بأجر يفسر سبب عجز ملايين الأسر السورية عن تأمين احتياجاتهم الغذائية اليومية!

أين تذهب الزيادة الفعلية؟

نعم، هناك زيادة في اعتمادات كتلة الرواتب والأجور تلحظ كلفة فرص العمل الجديدة، والترفيع الدوري للعاملين، وزيادة التعويضات، لكننا دائما أما حسابات ورقية، فليس كل الزيادات التقديرية ولا الإعتمادات المرصدة للوزارات تُصرف في أوقاتها ومواعيدها، بدليل إن الإعتمادات الاستثمارية للوزارات الإنتاجية كالصناعة يُدوّر معظمها للعام التالي، لأن إنفاقها يتطلب عدة أشهر من الإجراءات الروتينية، فإذا تأخرت وزارة المالية بتحويلها إلى وزارة الصناعة، وهي تفعلها دائما عمدا، فهذا يعني تأخر مؤكد بإنجاز أضابير مشاريع التطوير والتجديد أو المباشرة بأي مشروع استثماري جديد.

كما أن وزارة المالية تُلزم القطاع العام الاقتصادي مسبقاً بالمليارات التي يجب أن يحولها تحت اسم (فوائض) لخزينة الدولة، أي لا تسمح له باستخدام أرباحه في مشاريع التطوير والتجديد وزيادة التعويضات والحوافز للعاملين خلف خطوط الإنتاج، والذين بالكاد تكفيهم أجورهم لتأمين متطلبات أسرهم اليومية من المواد الغذائية الأساسية!

القطاع العام لا يزال قاصرا!!

وما يثير الاستغراب فعلا إن القوانين النافذة القديمة جدا، والتي لم تعد تصلح لهذا العصر والأوان منحت حق الوصاية على القطاع العام الاقتصادي لوزارة المالية، وبفعل هذا الحق تتعامل معه الوزارة كقاصر يجهل وزيره، أي وزير الصناعة التصرف بشركاته ومنشآته بما يخدم العملية الإنتاجية، وقد برز على مدى العقود الماضية تناقض بين وزير المالية الذي شغله الشاغل جباية الأموال من الشركات الإنتاجية، تارة تحت مسمى الفوائض، وأخرى بمسمى الأرباح والضرائب..الخ، وبين وزير الصناعة المهتم بزيادة الإنتاجية وتطوير وتحديث خطوط الإنتاج..الخ.

والسؤال المشروع: متى سيبلغ القطاع العام سن البلوغ ويتحرر من وصاية وزارة المالية؟

الخلاصة:

بمنأى عن القوة الشرائية الفعلية للرواتب والأجور فهي لم ترتفع في موازنة  2023 لأن الزيادة  ليست أكثر من تضمين محاسبي للزيادات التي طرأت على رواتب العام الحالي لأنها لم تكن مدرجة في موازنة 2022، بالإضافة إلى المبالغ الناجمة عن الترفيع الدوري بنسبة 9 % للعاملين في الدولة!