الجولان في القلب
بعد مرور واحد وأربعين عاماً على قراره ضمّ الجولان العربي السوري، هل استطاع الكيان الصهيوني المصطنع تحقيق الغاية المنشودة من وراء هذا القرار؟.
لا يستطيع أيّ إنسان أن يقتنع أن هناك قوّة في العالم تستطيع إلغاء ذاكرة الشعوب وكيّ وعيها الجمعي عن طريق قرار يتعلّق بالدرجة الأولى بتاريخها ومصيرها وحقوقها المعترف بها، فالأمر هنا شديد الالتصاق بكرامة هذه الشعوب وهويّتها، وخاصة أن مثل هذا القرار صدر عن سلطة محتلة غاشمة غير شرعية أصلاً، ولا تمتلك أيّاً من مقوّمات البقاء، بل هي تحمل بذور تفكّكها وزوالها في داخلها، لأنها تفتقر إلى ارتباط تاريخي بالأرض التي تحاول أن تفرض قوانينها عليها، مع كل محاولات التزوير في ذلك.
وبالتالي، فإن هذا القرار الذي أصدرته سلطات الاحتلال الصهيوني، في الرابع عشر من كانون الأول عام 1981، في إطار إجراءاتها العدوانية التوسعية، ليس له مفعول على الأرض، لأنه لم يتمكّن من إجبار سكان الجولان السوري على القبول بالهوية الصهيونية، وقد جاء امتداداً لممارسات الاحتلال الإسرائيلي الاستيطانية بحق الجولان وأهله التي بدأت منذ عام 1967، من طرد وتهجير للأهالي وتجريف للقرى والبلدات وإقامة للمستوطنات الصهيونية.
ولم تتمكّن ممارسات الاحتلال اللاحقة المتمثلة بعزل ومحاصرة قرى مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قنية والغجر في الجولان المحتل، من ثني أهلنا في الجولان المحتل، عن التواصل مع وطنهم الأم سورية، حيث أصدر أهالي الجولان السوري المحتل في الـ 25 من آذار عام 1981 الوثيقة الوطنية التي أكدوا فيها أن الجولان جزء لا يتجزأ من سورية وأن الجنسية العربية السورية صفة ملازمة لهم لا تزول والأرض ملكية مقدّسة، وجرّموا كل من يتعامل مع الاحتلال أو تسوّل له نفسه التنازل عن ذرة تراب من أرضهم، ورفضوا الاعتراف بـ”المجالس المحلية الإسرائيلية” واعتبروا كل من يتجنّس بالجنسية الإسرائيلية أو يخرج عن مضمون هذه الوثيقة محجوراً ومطروداً من الترابط الاجتماعي ويُحرّم التعامل معه.
ولم تتوقف مقاومة أهلنا في الجولان المحتل عند هذا الحدّ، بل أعلنوا في الرابع عشر من شباط عام 1982 عن إضراب وطني استمرّ ستة أشهر وتسبّب في شلل كامل بمختلف مناطق الجولان المحتل، وخرجوا في مظاهرات عارمة للتعبير عن الرفض القاطع لهذا القرار العنصري.
ورغم جميع الممارسات العدوانية التي قام بها الاحتلال لإرغامهم على القبول بالقرار، من اعتداء على السكان والممتلكات، واعتقالات واسعة للشيوخ والشبان والنساء، وقطع للمياه والكهرباء ومنع للغذاء، وحصار استمرّ أربعين يوماً متواصلة، إلا أن عزيمة أهالي الجولان لم تضعف في مقاومة المحتل وهمجيته، حيث اتخذوا موقفاً وطنياً موحّداً في التصدّي له وقدّموا قوافل الشهداء على أرض الجولان واعتُقل منهم المئات، ولا تزال المسيرة مستمرة حتى الآن.
وخلاصة القول أننا في سورية لا نعوّل كثيراً على قرارات مجلس الأمن التي بقيت حبراً على ورق فيما يخص هذه الغدة السرطانية، بل نعوّل على إرادتنا ومقاومتنا وصمود شعبنا وجيشنا الذي تصدّى لأعتى الهجمات الإرهابية المدعومة صهيونياً خلال العقد الماضي، وانتصر عليها وعلى من يقف خلفها، وفي المقدمة الكيان الصهيوني والبترو دولار والرجعية العربية، وهذا بالفعل هو السبيل الوحيد لتحرير الأرض.
ولكن الانتصار الأهم الذي حققته سورية هو أن الحرب الكونية التي شُنّت عليها خلال الفترة الماضية لم تتمكّن من حرف بوصلتها عن العدو الأساسي وهو الكيان الصهيوني الغاصب، وهذا بالفعل ما يثير حفيظة هذا الكيان ومَن يقف خلفه.
طلال ياسر الزعبي