اقتصادصحيفة البعث

محكمة المنافسة.. باسم الشعب

علي بلال قاسم 

عندما أطلقت الحكومة يد “هيئة المنافسة ومنع الاحتكار” كذراع من المفترض أن تكون ضاربة في السوق، تشكّل في الشارع السوري رأي عام مفاده أن سلطة خامسة ستزلزل الأرض من تحت الفعاليات الاقتصادية الرديفة، ومعها رصيد الدولة الجرار من قطاعات عامة إنتاجية وخدمية، لتبدو الصورة آنذاك وردية نوعاً ما لحكومة اكفهر وجهها بوجه تجار وصناعيين “بلهموطيين”، و”خاص” سنّ أسنانه تحضيراً لفرملة حصة “العام” الذي هيمن لعقود على الحياة الاقتصادية.

مع مرور الوقت بدأت ملامح عمل الهيئة تتبلور على إيقاع صعوبة تطبيق قانون الهيئة الصارم بحذافيره، في ظل واقع يفرض نفسه بقساوة على معادلات التشريع والقوننة وتحدي التطبيق الذي خبر السوريون كيف يفشل بإيماءة صغيرة من شيطان الفساد وإبليس الهيمنة على السوق الذي يعرف تماماً كيف يصوغ نماذج “خبيثة” من التلاعب والتهرب والتملّص، والأخطر فتح ثغرات في جدران النصوص وبنود القوانين؟.

يقول القانون 7 لعام 2008 إن الهدف الأهم من وجود الهيئة منع فئة معينة من احتكار السوق والسيطرة عليه بسلاح التقصي والتحري والاستجواب والمحاكمة في مجلس الدولة، ليغدو مجلس المنافسة كمحكمة تصدر قراراتها باسم الشعب العربي السوري، كما تقول الهيئة التي تصرّ على تقديم هذه السلطة كجهة توافقية على مبدأ “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”، ولاسيما في ظروف اقتصاد الحرب التي نعيشها، فالمسألة لا تحتمل “الحزم” الذي يتصوره البعض، والتطبيق الحرفي للنص يعني نتائج كارثية. وهنا، كان الجدال الذي تقحم الهيئة فيه والمتمثل باحتكار القلة، أو ما يسمّى بالتركز الاقتصادي، منتهياً “على خير” كما يقولون، فما يتهم التجار به “تمارسه الحكومة علانية عبر قطاعات معروفة”، وهذا ما تلوح به الفعاليات أمام عين الهيئة الموقرة!!.

معروف أن قانون المنافسة يجيز التركز شرط الإيجابية في الآثار الاقتصادية من حيث تخفيض الأسعار وتحسين المناخات، أما الهامش الذي استحصلت عليه الهيئة، فيتمثل بمنح الموافقات وسحبها، وهنا يرى بعضهم أن في الميزة قفزاً على حرمة المنافسة، في الوقت الذي يخرج الكثيرون ليردّدوا قائلين: هل يعقل أن تسلم الدولة رقبتها لمن لا يرحم المستهلك، لا بل يشبعه احتكاراً وممارسات مخالفة؟.

بعيداً عن جلد الهيئة ودورها الأخلاقي قبل الوظيفي، يمكن القول إن طرائق أخرى أكثر مرونة يمكن تبنيها قد تستثني قطاعات مفادها توسيع دائرة “القلة المحتكرين”، حتى لا يهيمن اثنان لا ثالث لهما، أو ثلاثة لا رابع فيهم، وأربعة لا خامس.. أسوة بتجارب الغير على الأقل!!.