مليون غرسة…؟!!
بشير فرزان
تتسعُ دائرة الجدل حول السياسة الزراعية التي تعمل وزارة الزراعة على تطبيقها في مختلف المجالات، وقد تتشعّب التساؤلات لتبحث في قدرة الوزارة على تنفيذ خططها التي تبقى حبراً على ورق، وخاصة فيما يتعلق بالمتابعة وتقييم العمل الذي يعدّ أمراً في غاية الأهمية ومحاولة متقدّمة في طرق التعاطي مع الواقع الزراعي المثقل بالوسائل والخطط التقليدية.
وهنا سنتوقف مع واقع حال المحميات الطبيعية وغيرها من المناطق التي باتت جرداء نتيجة الاعتداءات المستمرة على أشجارها، والذي يضع حملات التشجير المتكررة في كلّ عام، بما تتضمّنه من توزيع نحو مليون غرسة حراجية، أمام تحدي المتابعة لمستقبل هذه الغراس، وخاصة بحضور آلاف الأشجار المقطوعة في مختلف أنحاء القطر، وبشكل يبرز تلك التساؤلات الباحثة عن حزمة القوانين التي تحمي المناطق الحراجية من التحطيب تحت غطاء الظرف المعيشي، وعدم توفرالمحروقات وغيرها من الذرائع التي استباحت الطبيعة وخرّبتها، في الوقت الذي تتكرّر فيه كلّ عام حملات التشجير وزراعة آلاف الأشجار في المناطق ذاتها، والتي لا تعيش لتضيء شمعة عامها الأول، حيث يقتصّ منها العطش والتجاهل لتكون مجرد أرقام في روزنامة الإنجازات الصاروخية، ورغم الاعتراف بأهمية المبادرة إلا أن ذلك لا يحدث فرقاً في الواقع الحراجي، وخاصة لناحية التخفيف من حجم الأضرار التي نراها الآن في كلّ مكان، وبشكل يؤكد الفارق المتصاعد بين المشاهد المأساوية للمجازر المرتكبة بحق المناطق المشجرة، وبين الأرقام التي ترصدها الجهات المعنية في تصريحاتها، والإجراءات التي تقوم بها في مجال الحماية والمحافظة على البيئة الشجرية بكائناتها المختلفة.
إن جميع المؤشرات تنبئ بكارثة بيئية وخسائر اقتصادية واجتماعية كبيرة، خاصة وأن الخسائر طالت الأشجار الحراجية والمثمرة، وفي ظلّ هذه الحقائق والإدانات تبرز التساؤلات الباحثة عن دور المديريات الزراعية والوحدات الإدارية في المراقبة والمحاسبة بوجود حزمة من القوانين التي تحمي الشجرة وتكسبها حصانة ضد تلك الممارسات التي التهمت آلاف الأشجار، سواء تحت عنوان البناء المخالف ضمن المناطق الزراعية، أو تلك التي تندرج في خانة البديل عن غياب المازوت والكهرباء المستخدمة في التدفئة، واستثمار ذلك من قبل بعض التّجار لاستغلال المواطن وتدمير بيئته.
وطبعاً واقع الثروة الحراجية، وما آلت إليه خضرتها، يفرضُ المطالبة بتكليف وزارة الإدارة المحلية ووزارة الزراعة بإجراء مسح فوري للثروة الشجرية، واتخاذ إجراءات سريعة في مسارات التشجير ووضع موازنة مستقلة لهذه الغاية، وبصورة عاجلة محاسبة البلديات المخالفة، إلى جانب العمل مع وزارة العدل لاستصدار قوانين جديدة أو إحياء القوانين السابقة لحماية المساحات الخضراء والأشجار.. فهل ستشهدُ الفترة القادمة ولادة تشريعات صارمة تحمي المناطق المشجرة أياً كان موقعها (داخل أو خارج المخططات التنظيمية)، أم يعاد السيناريو ذاته في كلّ عام ضمن مسلسل التشجير و”عراضات” الإنجاز للأرقام الراصدة لعدد الغراس الجديدة؟!