لا.. للدعم النقدي!!
علي عبود
يصر عدد من “المنظّرين” على الدعم النقدي بديلا عن دعم السلع الأساسية بذريعة تجفيف منابع الفساد، لكنهم لم يقدموا أية أدلة على صحة أقوالهم!
ومصطلح“وصول الدعم لمستحقيه” ليس جديدا، فهو متداول منذ تسعينيات القرن الماضي، بل سبق ودخل حيز التنفيذ للمرة الأولى في عام 2009، تحت مسمى “شيكات المازوت المدعوم”، التي كانت مقدمة للبدء برحلة تحرير أسعار المحروقات المستمرة دون أي توقف حتى الآن!
والملفت أن المناقشة تدور دائما حول النتائج وليس حول الأساس، فلو أن الحكومة قامت بتعديل الرواتب والأجور مثلما تفعل مع السلع والخدمات التي تنتجها مع كل تعديل لسعر الصرف لما احتاج ملايين السوريين إلى الدعم السلعي إلا في حدوده الدنيا!
ويبدو أن الحكومة في وارد الاستجابة لمطالب المنظرين الذين يتجاهلون عمدا أوقصدا المخاطر الناجمة عن إلغاء الدعم السلعي واستبداله بالدعم النقدي، بدليل الكشف عن دراسة على طاولة اللجنة الإقتصادية، محورها تحويل كتلة الدعم، وهي بقيمة 5 آلاف مليار ليرة، إلى مبالغ مالية توزع كرصيد يتم شحن البطاقة الإلكترونية به، يسمح لحاملها بشراء أي مادة موجودة في صالات السورية للتجارة!!
ولا يشير أي منظّر للدعم النقدي إلى أن دعم المازوت بشيكات نقدية لأكثر من 5 ملايين أسرة، في عام 2009، ألغي في العام التالي، واضطرت هذه الأسر منذ ذلك التاريخ إلى شراء المازوت بالسعر الذي ترفعه الحكومة عاما بعد عام، أي أن الدعم المباشر الفعلي والملموس للمازوت تبخّر منذ عام 2009!!
حسنا.. لتفترض أن الحكومة صرفت الدعم نقدا لملايين الأسر الحاملة للبطاقة الذكية في عام 2023 .. فمن سيضمن أن لا تتآكل قدرتها الشرائية مع أول تعديل جديد لسعر الصرف؟ بل من سيضمن أن لا تنخفض القوة الشرائية لكتلة الدعم النقدي عندما ترفع الحكومة أسعار السلع المدعومة، كما فعلتها مؤخرا مع مادة المازوت؟
وكما نعرف فإن اعتمادات كتلة الدعم محددة في الموازنة العامة، فإذا كانت هذه الكتلة لا تنفق بكاملها على السلع المدعومة، باستثناء الخبز، فهل يتوقع المنظرون زيادة الدعم النقدي مع كل زيادة في أسعار المحروقات والمواد الأساسية؟
من الغريب جدا ألّا يلاحظ منظّرو الدعم النقدي أن وزارة التجارة الداخلية قلصت توزيع أسطوانات الغاز من 12 أسطوانة إلى 3 أسطوانات سنويا، وقلصت مادة المازوت المدعوم من 1100 ليتر إلى 100 ليتر سنويا في أحسن الأحوال، وقلصت توزيع مقننات السكر والأرز من الشهري إلى ثلاث دفعات سنويا، وإلغاء مواد كانت مدعومة كالزيت النباتي والشاي..!!
والسؤال: إذا كان الاتجاه نحو تخفيض كميات المواد المدعومة وزيادة أسعارها، المرة تلو المرة، فهل يتوقع المنظّرون أن القوة الشرائية لكتلة الدعم النقدي المخصصة لكل أسرة ستصمد لأكثر من أشهر قليلة؟
وقبل أن يبدي المنظّرون حرصهم على اجتثاث الإتجار بالمواد المدعومة، من فاسدين ومفسدين، فليجيبوا على سؤال: لماذا لم تجد المواد المقننة الموزعة بقسائم ورقية طيلة عقود طريقها إلى السوق السوداء؟
المشكلة ليست في آلية إيصال المواد المدعومة لمستحقيها، ورقيا أم آليا أو نقدا.. المشكلة كانت وستبقى في الوفرة، وبالقدرة الشرائية لدخل ملايين الأسر السورية.
الخلاصة: لا للدعم النقدي طالما أسعار السلع والمواد الأساسية، وخاصة حوامل الطاقة، غير مستقرة ولا مضبوطة!! ولا للدعم النقدي بالمطلق مع سعر صرف متذبذب!! فالحكومات المتعاقبة لم تقم بتعديل الأجور، ولا مرة واحدة، بما يوازي تعديلها لأي سعر جديد للصرف، وبالتوازي مع رفعها لأسعار المنتجات والخدمات.. وهذه الحكومات كانت دائما تقلص حجم المواد المقننة، وترفع أسعارها أيضا، ما يؤكد لنا أن أي حكومة حالية أو قادمة لن تزيد القوة الشرائية لكتلة الدعم النقدي، سواء عند زيادة الأسعار، أو بعد أي تعديل لسعر الصرف!