إحصائيات البطالة تنذر بآثار اقتصادية خطيرة.. محافظة ريف دمشق تتصدر القائمة بـ 175 ألف عاطل عن العمل!
دمشق – حسن النابلسي
خلص بحث تحليلي مُعمّق حمل عنوان “البطالة في سورية”، وقدم لإحدى الجهات الأكاديمية، إلى نتائج غاية في الأهمية، عكست بشكل علمي خطورة هذه الظاهرة وأسبابها، وذلك بناءً على معطيات وإحصائيات تنذر بآثار اقتصادية خطيرة من قبيل انخفاض الإنتاج الفعلي عن الإنتاج الممكن بسبب خروج قسم من العاملين عن الإنتاج، وانخفاض الاستهلاك الكلي ما يساهم بحصول ركود، وضياع الاستثمار في العنصر البشري الذي تم تأهيله ومن ثم لم يتم الاستفادة من خدماته، وزيادة احتمال ارتفاع الجرائم بسبب الحاجة وتحول بعض العاطلين عن العمل إلى مسلك الجريمة، إضافة إلى ضعف التطوير الذاتي لدى العنصر البشري المتعطل عن العمل لاهتمامه فقط بالأساسيات، وعدم الاهتمام بتكوين الأسرة لأن العاطل عن العمل لا يقدر على تحمل تكاليف الزواج، إلى جانب ارتفاع معدلات الهجرة لاسيما جيل الشباب للبحث عن عمل في دول أخرى، وربما أخطر هذه الآثار تقليل شعور الانتماء لدى العاطل عن العمل بحيث يمكن أن يصبح فريسة للعمل ضد بلده ومجتمعه!.
أبرز ما خلص إليه هذا البحث، الذي قدمه الباحث إيهاب اسمندر مؤخراً إلى جهة أكاديمية محلية، أن بيئة الأعمال غير المناسبة لعبت دوراً في زيادة معدلات البطالة في سورية التي أخرجت حوالي ثلث القادرين على العمل من ساحة الفعل الاقتصادي في الوقت الذي تعتبر سورية بأمس الحاجة إلى أكبر تفعيل ممكن للمبادرة لدى أكثر عدد من السوريين، إذ أشار الباحث إلى أنه من المشكلات الكبيرة، أن أكبر نسبة للعاطلين عن العمل في الفئة الشابة وتشكل “حوالي 70%” ما يعني خسارة الفئة الأكثر قدرة على العطاء لاسيما ما يتعلق بالعمل البدني.
وبيّن الباحث، بلغة الأرقام، أن محافظة ريف دمشق هي الأكثر تعطلاً من حيث الذكور، بينما محافظة اللاذقية هي الأكثر تعطلاً من حيث الإناث، وأن النسبة الأكبر من المتعطلين هم من حملة الشهادة الثانوية “51%”، وأن الفئات العمرية الأكثر تشغيلاً هي الكبيرة نسبياً (أكثر من 50 عاماً) “27%”، مؤكداً أن قوة العمل في سورية هي ذكورية وتشكل نسبة “70%” من المشتغلين، وأن سوق العمل يستقطب غير المتعلمين أكاديمياً بسبة كبيرة تصل إلى “54%” من المشتغلين دون الابتدائية، وأن معظم المشتغلين في سورية يعملون بأعمال غير إنتاجية وتصل نسبتهم إلى “75%” يعملون في قطاعي التجارة والخدمات، علماً أن سورية في هذه الفترة أحوج ما تكون للتشغيل في الاقتصاد الحقيقي!
لدى الخوض ببعض التفاصيل بيّن البحث أن عدد المتعطلين عن العمل في عام 2015 بلغ حوالي 2.5 مليون، وتراجع إلى 1.8 مليون في عام 2016، وإلى 1.7 تقريباً مليون في عامي 2017 و2018، لكنه سجل أقل عدد في عام 2020 بحوالي 1.2 مليون متعطل عن العمل.
وتتصدر محافظة ريف دمشق – حسب البحث – قائمة المتعطلين “حسب المحافظة”، بنسبة بطالة بلغت 13% من الإجمالي، إذ يوجد فيها 157 ألف متعطل عن العمل، تليها محافظتا اللاذقية وحماة اللتان تتقاربان من حيث نسبة كل منهما من إجمالي عدد العاطلين عن العمل “12% تقريباً لكل منهما”، بعدد عاطلين يبلغ 143 ألف في الأولى، و140 ألف عاطل عن العمل في الثانية، في حين تضم محافظات حمص، ودمشق، وطرطوس حوالي 10% من العاطلين عن العمل لكل منها، وبأعداد 125 ألفاً، 123 ألفاً، 121 ألفاً في كل منها، بينما يشكل العاطلون عن العمل في محافظة حلب 9% من الإجمالي وبعدد 110 ألف متعطل.
وتتقارب النسب في محافظتي الحسكة ودرعا “6% تقريباً لكل منها”، وبعدد 73 ألف، 68 ألف عاطل عن العمل على الترتيب، أما نسبة العاطلين عن العمل في السويداء إلى الإجمالي فتشكل 5% وبعدد 54 ألف متعطل، بينما تصل هذه النسبة في محافظة دير الزور إلى 4% وبعدد 52 ألف.
وتنخفض النسبة في القنيطرة تنخفض إلى 2% وبعدد 26 ألف متعطل، لتبقى الرقة هي المحافظة الأقل بنسبة أقل من 1% وبعدد يقارب 6 ألف عاطل عن العمل.
وأكد اسمندر أن القطاع العام أكثر توازناً من القطاع الخاص في مجال استقطاب الكفاءات الأكاديمية، مشيراً إلى وجود تذبذب كبير في السنوات الأخيرة فيما يتعلق ببيانات التشغيل والبطالة على حد سواء، وهذا قد يؤثر على دقة البرامج الاستهدافية في هذا المجال.
وقدم الباحث مقترحات عدة للحد من البطالة يتصدرها تقليل الدور الحكومي في التشغيل مقابل إطلاق المجال أمام المبادرة الخاصة في مباشرة الأعمال عبر تسهيل تأسيس وإطلاق المشروعات، وتبسيط إجراءات ترخيص المشروعات والسماح بالتراخيص المؤقتة لمن لا يحقق شروط المطلوبة للترخيص الدائم، إضافة إلى إطلاق برامج تأهيل عالية المستوى لرفع المقدرة الفنية للعاطلين عن العمل بما يمكنهم من الحصول عليه بسهولة أكبر، وتوفير تدريب مهني مرافق للتعليم الأكاديمي في الجامعات والمعاهد لتهيئة الطلاب بما يتوافق مع سوق العمل، إلى جانب توفير أماكن مناسبة لإقامة المشروعات بما ذلك الحاضنات بمختلف أشكالها، وإطلاق حوار متكامل بين المعنيين والمختصين لإعداد إستراتيجية وطنية للتشغيل تأخذ بعين الاعتبار الظروف الحالية والتطلعات المتعلقة بالمستقبل الاقتصادي والاجتماعي المنشود لسورية.