اقتصادصحيفة البعث

خير سبيل لامتصاص البطالة!

حسن النابلسي

“تأمين فرص عمل” مصطلح كبير، وملف أكبر مما يوحى به لدى تردده على مسامع طالبي العمل الذين غالباً ما يختزلونه ويحصرونه بالقطاع العام، لاعتبارات باتت معروفة ليس أولها الأمان وعدم التسريح إلا لحالات نادرة، ولا آخرها تدني ساعات العمل الفعلية نظراً لغياب الصرامة المطلوبة!

للبرهان على ضخامة هذا الملف نستشهد بالدول المتطورة المرتبط فيها العمل وفرصه باستثماراتها وفعالياتها الاقتصادية، فهذه الدول توجه وتدعم بشكل غير مباشر من خلال ثقافة دأبت على نشرها منذ عقود طوال، فدورها الأبوي والرعوي يعتمد مبدأ “أعلمك الصيد بدلاً من إطعامك السمك”.

ولعل خير ما انتهجته هذه الدول في هذا الشأن هو دعم المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، كونها تربة خصبة لتوليد فرص عمل عجزت دول كبرى، مثل الاتحاد السوفياتي السابق الذي ثابر على اكتناف العاطلين تحت عباءة مؤسساته الحكومية فكانت النتيجة انهياره تحت وطأة عبء ثقيل حال دون صموده، نظراً لاستنفاذ كل طاقاته الأبوية المباشرة وما اعتراها من روتين وبيروقراطية أفضيا إلى ترهل قطاعه العام، في حين أن دولة مثل الصين ورغم انتهاجها للاشتراكية، إلا أنها شجعت قيام المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتمتص نسبة كبيرة من بطالة أكبر دول العالم سكانياً، وتصبح العمود الفقري لأعتى الاقتصاديات العالمية.

في سورية.. يلاحظ المتتبع لواقع العمل أن ذهنية الباحث عن عمل لم ترتق بعد لمستوى طموح العمل الحر وامتلاك مشروع خاص يدر عليه قوت يومه مبدئياً ويطوره لاحقاً ليولد فرص عمل جديدة للغير، فوظيفة الدولة لا تزال تسيل لعاب معظم خريجينا حتى من ذوي الاختصاصات العليا، لاعتبارات تتعلق بغياب ثقافة العمل الحر، وعدم الثقة بقطاعنا الخاص الذي لا يتوانى عن تسريح عمالته مع أدنى اهتزازة يتعرض لها.

أمام هذا الواقع، لا مناص من أن تضطلع الحكومة بتغيير هذه الذهنية عبر برامج وآليات ترسخ مفهوم المشروع الخاص الصغير والمتناهي الصغر، وتقدم الدعم اللازم مادياً ولوجستياً، ومع يقيننا بأن الموضوع يحتاج إلى جهود لا يستهان بها ووقتاً ليس بالقليل، ولكننا بنفس الوقت على قناعة تامة أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فلا ضير على سبيل المثال أن تربي الأجيال اللاحقة على تبني رؤية مستقبلية لها، كل حسب ميوله ورغباته، وأن توجه مناهجنا التربوية – خاصة في المرحلة الإعدادية والثانوية – طلابنا نحو تحقيق الذات عبر تحقيق طموحاتهم في فضاء العمل الحر، وتعريفهم بالفرص المحتملة بعد سنوات تعليمهم، وأن العمل لا يقتصر فقط على وظيفة الدولة.

hasanla@yahoo.com