في ذكرى تحريرها من الإرهاب.. انتصار حلب هزيمة لأصحاب مخطط تقسيم سورية وأدواته
ذكرى تحرير درّة الشمال السوري حلب الشهباء من براثن الإرهاب هي إحياء لذكرى ملحمة وطنية شاملة عموماً وعسكرية خصوصاً، سطّر كلماتها أبطال الجيش العربي السوري وأنارت صفحاتها دماء الشهداء الأبرار، فكانت منطلقاً للتحرير وعنواناً للنهوض.
أهمية كبيرة على كل الصعد تكتسبها محافظة حلب، فكان ريفها الشاسع المتاخم للحدود مع تركيا منطلقاً منذ الأشهر الأولى لبدء الحرب العدوانية على سورية لتنفيذ ذلك المخطط الأسود بأدوات إجرامية، وكانت البداية من الريف الشمالي الغربي حيث سيطرت عليه التنظيمات الإرهابية عام 2012، ما شكّل خزاناً داعماً لتلك التنظيمات في مختلف مناطق سورية، وبدعم مفضوح بالعدد والعتاد من النظام التركي.
ووفق خريطة انتشار التنظيمات الإرهابية كما خطّطت له الاستخبارات التركية والغربية وأذنابها في المنطقة، انتشر تنظيم “داعش” الإرهابي في الريف الشمالي الشرقي والشرقي لحلب، بينما تقاسم إرهابيو “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” و”لواء السلطان مراد” وغيرهم الريف الشمالي الغربي والغربي والريف الجنوبي، وبعد أشهر بسطت تلك التنظيمات سيطرتها على ثلثي مدينة حلب.
آلاف الإرهابيين والمرتزقة الذين هرّبهم النظام التركي عبر الحدود من مختلف أصقاع العالم للاعتداء على الدولة السورية لم ينفعهم كل ذلك الإجرام والوحشية التي قصفوا بها المدينة الآمنة ومحيطها، فجاء الانتصار في الـ22 من كانون الأول 2016، وأعاد بواسل الجيش كتابة اسم حلب من جديد رافعين على فوّهات بنادقهم وردة وغصن زيتون، وبزنودهم نقشوا انتصار حلب الذي حطّم مخططات ما سمّي حينها “المنطقة العازلة” لحماية الإرهابيين في شمال سورية، والذي خطّط له نظام أردوغان منذ بداية الحرب على سورية.
أول فصول سيناريو التحرير كان بفك الحصار عن سجن حلب المركزي في أيار 2014 بعد صمود أسطوري لحامية السجن استمرّ قرابة عام ونصف العام، وهو إنجاز مهم على اتجاه تحرير حلب، فالموقع لا يبعد أكثر من 10 كم عن المدينة قرب المدخل الشمالي، حيث يمكن السيطرة نارياً على شريان إمداد مهم للتنظيمات الإرهابية من الأراضي التركية.
وفي الريف الجنوبي من المحافظة وضع الجيش خططه وتم التجهيز للتحرير على مراحل وبدأ التمهيد الناري الكثيف وتأمين التغطية النارية لقوات المشاة، فتقدموا ووصلوا إلى الأتوستراد الدولي الذي يربط حلب بدمشق، وشكّل ذلك مرحلة تكتيكية أولى للمعارك في الريف الجنوبي.
ولاحقاً وخلال فترة قصيرة شكّلت عملية فك الحصار عن مطار كويرس العسكري والكلية الجوية بالريف الشرقي في الـ10 من تشرين الأول عام 2015 ضربة محكمة ثانية للمخطط التقسيمي، إذ تحوّل المطار وحاميته إلى قوة إسناد أساسية في مجمل المعارك ضد الإرهابيين الذين أصبحوا تحت مرمى نيران الجيش والقوات الحليفة بعد تطهير الريف المحيط بمدينة حلب، حيث تم قطع خطوط الإمداد عنها، وأخذت عمليات اجتثاثهم من المدينة تتكرّس وتصبح أكثر قوة وتركيزاً، ولاسيما مع استماتة الدول الغربية والنظام التركي لدعم أدواتهم الإجرامية.
الجيش باشر على الفور بعمليات تطهير الأحياء الشرقية للمدينة من فلول الإرهاب بعد السيطرة على محيطها الشمالي والشمالي الغربي ومنها حيّا الليرمون وبني زيد، وقطع طريق الإمداد عبر منطقة الكاستيلو وصولاً إلى استعادة مشفى الكندي في الـ2 من تشرين الأول عام 2016، فكانت تلك مرحلة فاصلة وحاسمة لإعلان المدينة خالية من الإرهاب.
العمليات العسكرية الدقيقة والتكتيكات الحربية التي اتبعها الجيش أثناء تحرير المدينة كانت تتناسب مع طبيعة الأحياء السكنية حفاظاً على حياة المدنيين، وأخذت بالتسارع وسط انكسار وتخبّط مشغلي الإرهاب المذهولين من سرعة ودقة وبسالة رجال الجيش الذين قضوا بضربات محكمة على مئات الإرهابيين من تنظيم “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” و”كتائب نور الدين الزنكي” و”الحزب التركستاني” وغيرها الكثير، ليتم تحرير أحياء هنانو والحيدرية والصاخور ومحطة سليمان الحلبي وتحرير القسم الشمالي للأحياء الشرقية والجزماتي وطريق الباب وباب النيرب والفرافرة وأغيور وكرم الجبل وغيرها، وصولاً إلى إعلان المدينة خالية من الإرهاب في الـ22 من كانون الأول 2016.
تحرير مدينة حلب كان طلقة في قلب مشروع التقسيم والتفتيت وتدمير مقوّمات الدولة السورية، ولتكتمل صورة النصر النهائي على الإرهاب تابعت وحدات الجيش عملياتها بريفي حماة وحلب، وتم تأمين عدد من الطرق الاستراتيجية بين المحافظتين وربطهما بالبادية السورية.
وتواصلت العمليات العسكرية بريف مدينة حلب وعمقها الحيوي باتجاه منطقة أبو الضهور، وتكلّلت بانتصار جديد في الـ21 من كانون الثاني 2017 باستعادة السيطرة على 300 قرية وبلدة في المنطقة الممتدة بين أرياف حماة وإدلب وحلب وعلى مطار أبو الضهور العسكري.
وبدأت أوكار الإرهاب تتهاوى بسيناريو متسارع في مختلف المناطق تحت ضربات الجيش المركزة، وأعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة في الـ16 من أيار 2018 إعادة الأمن والاستقرار إلى 65 مدينة وبلدة وقرية بريفي حمص وحماة، وأرغمت الإرهابيين على الخروج من المنطقة إلى إدلب وجرابلس بعد تسليم كل ما لديهم من أسلحة ثقيلة ومتوسطة.
شكّلت حلب مفتاح النصر بالنسبة لسورية.. صمودها كان يعني إسقاط أهم أهداف المخطط التقسيمي لها، فمن حلب ومعركة الانتصار فيها كانت نقطة الانطلاق نحو الشرق السوري وفك الطوق عن مدينة دير الزور وتحرير أهلها من ظلام تنظيم “داعش” الإرهابي وإجرامه.
انتصار حلب أثمر تمدّداً وسيطرة وتحريراً لأكثر من ثلثي سورية وعودة ملايين السوريين إلى قراهم ومدنهم، وعودة الاستقرار إلى جميع المناطق المحرّرة، وكان لحلب النصيب الأكبر من إعادة الإعمار في كل المجالات، وخاصة بعد تحرير كامل القطاع الغربي من المحافظة.