إيران كما هي اليوم وكل يوم
هيفاء علي
ما حصل في إيران من إثارة الفوضى والاضطرابات ما هو سوى حملة مدبرة لزعزعة استقرار البلاد، وهناك من حاول استغلال الأمر لإشعال الفوضى في إيران، وهي الفوضى التي راحت بعض الجهات تصورها وكأنها “ثورة ضد النظام”، كما ذهب البعض الآخر لرصد الساعات والدقائق المتبقية من عمر النظام الإيراني.
لم نشهد مثل ذلك أمام جرائم وأحداث شهدتها العديد من البلدان بما فيها أمريكا “حامية الإنسانية” حين قتل مواطنها جورج فلوريد على يد شرطي وأمام العالم، وبعده سقط العديد من المواطنين الأمريكيين من ذوي البشرة السمراء على يد ذوى البشرة البيضاء، كما لم يحدث هذا إزاء استهداف الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بل لم تحظ شيرين بجنازة طبيعية بسبب همجية وغطرسة جيش الاحتلال، ولم نر هذه الغيرة الأمريكية – الغربية التي تفجرت لوفاة الشابة الإيرانية، حين قتلت شابة عراقية بدم بارد داخل إحدى القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، ولم نشهد هذه الغيرة على قتل أطفال فلسطين، واليمن، وسورية، وليبيا، وأفغانستان، وأطفال الدونباس في روسيا.
إن الحملات الإعلامية التي رافقت وفاة الشابة الإيرانية، والتي تزامنت مع أعمال التخريب والفوضى، وإطلاق أيادي خلايا التخريب لاستهداف “نظام” يقاوم أعتى الإمبراطوريات في العالم بكل قدراتها، ويصمد أمام الحصار والعقوبات والتي تضاعفت ضده، ما هي إلا سلوك استعماري وغطرسة مفضوحة ومكشوفة لن تحقق أهدافها، ولن تثني القيادة الإيرانية عن مواقفها، خاصة إذا كان الكيان الصهيوني قاتل الأطفال والنساء والشيوخ من عرب فلسطين وبدماء باردة وهو من ارتكب أبشع الجرائم بحق المواطنين العرب في فلسطين ومصر وسورية ولبنان والعراق، في طليعة المتباكين على الشابة الإيرانية، ومعه أمريكا وبقية الدول الغربية بعد فشلهم في تطويع إيران من خلال محادثات فيينا النووية، أو الحد من نفوذها في المنطقة، وإخراجها من ساحة التنافس الجيوسياسية، أو فك ارتباطها بالمنطقة العربية، وكذا تقليص علاقتها مع روسيا الاتحادية والصين.
الواقع الإيراني كما هو يرصده ويعيشه من الداخل شاهد بارز، هو البروفيسور رافاييل مورييلو، الأستاذ في كلية الأدب الفارسي واللغات الأجنبية في جامعة طهران، وهو الذي يلخص الأحداث التاريخية التي أدت إلى الوضع الحالي، بدءاً من انقلاب عام 1953، الذي دبره جهاز المخابرات البريطاني، ونفذته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للإطاحة بمحمد مصدق، أول وزير إيراني منتخب ديمقراطياً عام 1951، والذي قام بتأميم صناعة النفط بإزالتها من السيطرة البريطانية.
هذا هو أصل المقاطع التاريخية المتعاقبة، نظام الشاه المرتبط بالولايات المتحدة التي تسيطر على صناعة النفط الإيرانية مع بريطانيا العظمى، والتغريب القسري المتتالي لإيران، والثورة الشعبية التي قادها آية الله الخميني، وتأميم إيران صناعة النفط، بالاضافة إلى حرب العراق ضد إيران التي أثارتها ودعمتها الولايات المتحدة في الثمانينيات.، هي جميعها تتبع التحولات اللاحقة، حتى إيران اليوم، دائماً على مرأى من الغرب الذي يهاجمها من الخارج والداخل.
في الوضع الجيوسياسي الحالي، تعتبر إيران اليوم أكثر أهمية باعتبارها مفصلاً لطريق الحرير الجديد، الذي تروج له الصين، وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب الذي يربط روسيا بجنوب آسيا، وعلى هذه الخلفية يتم وضع حملة شيطنة إيران، بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى في المقام الأول.