جود سعيد: “مسافرو الحرب” بين الحقيقة والخيال
أمينة عباس
احتل موضوع علاقة السينما بالواقع خلال فترة الحرب مساحة كبيرة من النقاش الذي دار بين الحضور والمخرج جود سعيد حين عُرضَ فيلمه “مسافرو الحرب” في النادي السينمائي “35 Cine-Club”، بإشراف المخرج فراس محمد في غاليري زوايا مؤخراً، حيث أوضح سعيد أن هناك أفلاماً درامية ووثائقية كثيرة تناولت الحرب بشكل مباشر أو من خلال موضوعة محددة، وأنه غالباً ما تنبع أسئلة الحرب في الأعمال الفنية من الذاكرة البعيدة والمتوسطة، والسينمائيون عموماً يجدون أنفسهم منغمسين في الواقع واللحظة الراهنة، لذلك هناك العديد من الأعمال السينمائية تُعدّ وثيقة تاريخية، مبيناً أن فيلم “مسافرو الحرب” لا ينتمي إلى سينما الواقع من خلال تداخل مجموعة حكايات مع بعضها، وهو نوع من السينما التي انتشرت في أوربا الشرقية وسُمّيتْ بسينما ما بعد الحرب التي تجمع بين العبث والسحر، موضحاً أننا وبعد عدة سنوات من الحرب يبدو انعكاسها قائماً وحقيقياً على الفن، وبالتالي فمن الطبيعي أن يستعير منها السينمائي بعضَ الأحداث واللحظات المعاشة ليعيد صياغتها في الأفلام لتكون -بشكل ما- حياة أخرى كاملة، لذلك يبدو الفرق كبيراً بين الواقع وما تقدّمه السينما التي تأخذ جود سعيد إلى عوالم مشتهاة، لذلك حاول مع شريكه في الفيلم الفنان أيمن زيدان تقديم مفهوم آخر عن الحرب بمحاربتها بالسخرية والحلم وإعادة بناء حياة جديدة لها طعم مختلف في عالم مختلف، مشيراً إلى أن فكرة الفيلم ولِدَت أثناء تصويره فيلمه “درب السما” مع الفنان زيدان، حيث استلهم من قصة كتبها زيدان الشخصية الأساسية في الفيلم.
لا يشبه التجارب الأخرى
وبيَّن سعيد أن الصورة وبنيتها هي أحد أهم عناصر وعوامل السرد في السينما، لهذا يهتم فيها كمخرج كثيراً لتقديم ما يريد أن يرويه بعيداً عن الأساليب الأخرى التي تهتم بالشخصيات والتركيز على وجوهها أو على علاقتها بالمكان: “لا أحب تصوير الحكاية كحكاية، فأنا أرى أن الجمهور يستحق أن يستمتع بالبنية البصرية التي تساهم في سرد تفاصيل القصة” مبيناً أن فيلمه “مسافرو الحرب” من إنتاج القطاع الخاص الذي لم يبخل عليه ووفَّر له كل ما يتطلبه، وهو يختلف عن الأفلام الأخرى على الصعيد البنيوي والسردي من حيث الشكل وتناول موضوعة الحرب، فهو فيلم لا يشبه التجارب الأخرى التي تصدت للحرب السورية، وهذا ما أكد عليه الفنان أيمن زيدان كشريك فيه: “أردنا أن نتعاطى مع الحرب من خلال هذا الفيلم بشكل مختلف ومغاير”.
حياة جديدة
الفيلم يتحدث عن أثر الحرب على الناس وقدرتهم على إعادة بناء حياة جديدة بطعم مختلف دون الدخول في تفاصيل الحرب التي لم يرغب سعيد الغوص فيها بل جرّ المُشاهد إلى طرح أسئلة والتفكير بكيفية التعامل مع الحرب بطريقة مختلفة من خلال بهاء (أداه أيمن زيدان) وهو رجل تقاعد مع بداية الحرب وكان يعمل رئيساً لورشات تصليح الكهرباء ويعيش وحيداً ونراه يروي لابنته الوحيدة التي تعيش في الغربة تفاصيل حياته اليوميّة لتطمئن عليه ولنكتشف في النهاية أنه يسرد مجموعة حكايات تدور في مخيلته، أبطالها شخصيات من لحم ودم، يمثّلون شرائح المجتمع، وهو إحدى هذه الشخصيات التي تعيش مغامرتها مع المسافرين في قرية دمرتها الحرب فهجرها أهلها، محاولاً إعادة الحياة إليها من خلال سردٍ يمزج بين الحقيقة والفانتازيا، مشيراً سعيد إلى أن حكايته لم تحصل فعلاً في حلب، لكن بالتأكيد حصل ما هو أفظع منها.
تصوير بين الدمار
وأشار المخرج جود سعيد في حديثه عن تفاصيل التصوير التي كانت بين حلب وحمص وحماة في ظروف صعبة جداً ومقلقة، حيث كانت الأجواء الأمنية ساخنة جداً، خاصة في حلب، ومع هذا لم يتراجع وقرر المخاطرة والتصوير في أماكن حقيقية بين القذائف والدمار: “لا يوجد أقسى من التصوير في أماكن هجرها أهلها، فأنت تشعر في داخلك أثناء تصوير الفيلم بأنك أمام واجب الاعتناء بكل التفاصيل.. الأمر مؤلم بلا شك، خصوصاً ونحن نقف أمام الجدران المهدمة ونمشي بين أغراض من اضطروا إلى مغادرة منازلهم وتوقفت حياتهم بسبب الحرب”.
جوائز
عُرِض الفيلم لأول مرة في أيام قرطاج السينمائية 2018 ونال أربع جوائز: جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين، وجائزة التانيت البرونزي، وجائزة الجمهور، زجائزة أفضل صورة، وشارك في مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية السينمائي 2019 ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل فيلمن والجائزة كانت حسب مدير المهرجان جائزة أفضل فيلم عربي في كل مسابقات المهرجان الروائي والوثائقي، كما شارك الفيلم في مهرجان تيبورون في كاليفورنيا، وفي مهرجان روتردام للفيلم العربي عام 2019.
يُذكَر أنه في رصيد المخرج جود سعيد حتى الآن تسعة أفلام روائية طويلة قام بتصويرها في سورية، منها فيلمان قبل الحرب هما “مرة أخرى” و”صديقي الأخير” وأربعة أفلام صوّرها أثناء الحرب هي “رجل وثلاثة أيام” و”مطر حمص” و”انتظار الخريف” و”درب السماء” ثم صوّر “نجمة الصبح” و”مسافرو الحرب” و”رحلة يوسف” الذي شارك مؤخراً في مهرجان القاهرة.
البطاقة الفنية
“مسافرو الحرب” سيناريو وحوار جود سعيد وأيمن زيدان وسماح القتال ويارا جروج، إنتاج شركة الأمير اللبنانية، منتج فني نيكول كماتو، شارك في الفيلم إلى جانب أيمن زيدان كلّ من الفنانين: لجين إسماعيل، لينا حوارنة، حسين عباس، لمى الحكيم، طارق عبدو، كرم الشعراني، سوزان الوز، بيدروس برصوميان، سيرينا محمد، خوشناف ظاظا والطفل شادي جان، مدير إدارة الإنتاج سامر رحال، مدير التصوير وائل عز الدين، مهندس الصوت مهدي رحيم زاده، مونتاج سيمون الهبر ورؤوف ظاظا، موسيقا سمير كويفاتي، فوتوغراف أشرف زينة.