حرب النجوم” أخر “صيحات” الحروب الأمريكية!
سمر سامي السمارة
منذ عام 1957، أصبح الفضاء ساحة للتنافس النشط المتعلق بالتفكير العلمي والقدرات الاقتصادية والتقنية بين موسكو وواشنطن. وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أن، الإتحاد السوفييتي السابق كان، منذ وقت طويل، رائداً في الاستكشاف السلمي للفضاء، فقد أطلق “سبوتنيك 1” أول قمر صناعي أرضي، وأرسل أول إنسان إلى الفضاء الخارجي “يوري غاغارين”، وبعد ذلك أول رائدة فضاء “فالنتينا تيريشكوفا .” وبعد بضع سنوات، أصبح رائد الفضاء السوفييتي أليكسي ليونوف أول إنسان يقوم بالسير في الفضاء.
حاولت الولايات المتحدة التنافس مع الاتحاد السوفييتي. وهكذا، في عام 1969، هبط رائد الفضاء الأمريكي نيل أرمسترونغ على سطح القمر، على الرغم من أنه في العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، لا تزال هناك خلافات حول ما إذا كانت هذه حقيقة أم حدثاً منظماً.
ومع ذلك، تحولت الولايات المتحدة بسرعة كبيرة من المنافسة العلمية والتقنية مع الاتحاد السوفييتي في الفضاء نحو العسكرة، معتبرة الفضاء الخارجي ساحة قتال مستقبلية. وبدأ المحللون الأمريكيون في ستينيات القرن الماضي يتحدثون عن حرب الفضاء، ثم تحولت هذه المناقشات إلى خطط حقيقية في الولايات المتحدة، خاصةً بعد تشكيل ترامب في عام 2018 لفرع جديد للقوات المسلحة يدعى القوة الفضائية للولايات المتحدة والتي يتمثل هدفها الرئيسي في إجراء عمليات عسكرية في الفضاء. حتى ذلك الحين، بالإضافة إلى الوحدات التنفيذية، ظهرت وحدات الاستطلاع التابعة للقوة الفضائية، والتي أصبحت تُعرف بعد ذلك بإسم” دلتا الفضاء”، والتي تشمل مهامها الحرب المدارية. على سبيل المثال، تركز دلتا الفضاء3 على الحرب الإلكترونية- ودلتا الفضاء 6 على العمليات في الفضاء السيبراني، و دلتا الفضاء 8 على الاتصالات عبر الأقمار الصناعية والحرب الملاحية.
جدير بالذكر أن مهمة دلتا الفضاء 8 تتمثل على وجه التحديد في مواجهة الاتحاد الروسي والصين في المدارات القريبة من الأرض، ما يشير إلى أن الجنرالات الأمريكيين ينظرون بجدية إلى الفضاء الخارجي كمسرح محتمل للعمليات العسكرية. ومع ذلك، لابد من التذكير بأن القيادة الأمريكية للفضاء “سبيسكوم” كانت موجودة بالفعل في الولايات المتحدة خلال حقبة “حرب النجوم” لرونالد ريغان. في ذلك الوقت، في عام 1983، أعلن الرئيس الأمريكي ريغان عن مبادرة الدفاع الاستراتيجي بهدف رئيسي هو كسب الهيمنة في الفضاء، على وجه الخصوص، من خلال نشر أنظمة دفاعية قادرة على اعتراض الصواريخ الأجنبية. وفي عام 1993، تم تقليص هذا البرنامج.
أما بالنسبة إلى القوة الفضائية للولايات المتحدة الأمريكي، فقد أُعلن بالفعل عند إنشائها أن الولايات المتحدة تعتزم إيلاء المزيد من الاهتمام الجاد للتفاعل مع حلفائها مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان، مع إمكانية توسيع هذا التفاعل العسكري مع دول في مناطق أخرى.
تم نشر اللائحة الأولى لقوة الفضاء الأمريكية في شهر آب عام 2020، والتي أشارت فيها إلى أن قدرة القوة الفضائية الأمريكية ليست فقط للدفاع، بل أنها لشن الهجوم “إذا لزم الأمر من أجل حماية المصالح القومية الأمريكية”.
في الحقيقة، يمكن رؤية نشر الولايات المتحدة للعمليات العسكرية في الفضاء، على وجه الخصوص، في حالات التشويش على اتصالات الأقمار الصناعية، واستخدام أشعة الليزر لتعمية أجهزة استشعار السواتل، والتحقيق في أنظمة المركبات الفضائية الروسية والصينية لاحتمال اختراقها.
في الآونة الأخيرة، يُعزى تكثيف الولايات المتحدة للعمليات العسكرية في الفضاء أيضاً إلى نيتها استغلال الفرص في هذا المجال بنشاط أكبر، وذلك لتعزيز سياسة العقوبات التي تفرضها واشنطن ضد بعض البلدان. في الواقع، من أجل تعطيل قمر صناعي تمر من خلاله المعاملات المالية والاتصالات الرئيسية، يكفي فقط “دفع” قطعة أو أخرى من الحطام الفضائي. ويمكن أن يؤدي القمر الصناعي “التالف” نفسه بالفعل إلى اضطرابات مالية واقتصادية خطيرة في غير بلد.
في الآونة الأخيرة، كانت قيادة القوات الفضاء الأمريكية نشطة للغاية، ويمكن للمرء أن يرى بوضوح تعزيز إمكانات واشنطن وحلفاؤها في الفضاء، خاصة فيما يتعلق بتلقي ونشر المعلومات من الأقمار الصناعية، واستخدامها في الخطط العسكرية الإستراتيجية لـ الولايات المتحدة. وتحقيقاً لهذه الغاية، في أيلول 2020، أنشأت قوة الفضاء الأمريكية وحداتها في المنطقة الشاسعة من شبه الجزيرة العربية، ونشرت سرباً من 20 طياراً متمركزين في قاعدة “العديد” الجوية في قطر كجزء من أول انتشار لها في الخارج. وسرعان ما انضم عدد آخر من أفراد القوة الفضائية الأمريكية البالغ عددهم 20 فرداً والذين شكلوا فرقة “مشغلي الفضاء الأساسيين” إلى “التحكم في الأقمار الصناعية ومراقبة مناورات العدو في الفضاء”.
و لتنسيق أعمال القوات الفضاء الأمريكية ومراقبة الإجراءات التي تقوم بها، بدأت واشنطن في إنشاء وحدات قيادة فضائية إقليمية، والتي بدأت تظهر خارج البر الرئيسي للولايات المتحدة. وهكذا، تم بالفعل إنشاء أول هذه الوحدات في أوائل تشرين الثاني 2022 ضمن هيكل القيادة الأمريكية الهندية والمحيط الهادئ في هاواي.
وبحلول نهاية عام 2022، تخطط الولايات المتحدة، وفقاً لوكالة أنباء “يونهاب” الكورية الجنوبية، لإنشاء قوة فضائية مماثلة تحت جناح القوات الأمريكية في كوريا وداخل القيادة المركزية الأمريكية المسؤولة عن الشرق الأوسط.
صرح البنتاغون رسمياً في إستراتيجية الأمن القومي الصادرة مؤخراً، أن إنشاء القوة الفضائية الأمريكية كان يهدف إلى تنفيذ الردع الشامل في جميع المجالات. لهذا الغرض، تساعد واشنطن، في إطار التعاون العسكري التقني، في إنشاء قوات عمليات فضائية في الدول الحليفة. في 1 كانون الأول الماضي، أطلقت القوات الجوية الكورية الجنوبية سرب العمليات الفضائية في قاعدة أوسان الجوية، على بعد 65 كيلومتراً جنوب سيؤول. ويشمل السرب الجديد قسماً للعمليات الفضائية، تم إنشاؤه في عام 2019 للقيام بمهام مختلفة مثل توقعات تداعيات الحطام الفضائي، فضلاً عن، مركز استخبارات الفضاء التابع للقوات الجوية ومركز مراقبة الأقمار الصناعية. يخطط السرب للقيام بمهام مختلفة مثل مراقبة الأجسام الفضائية في أوقات السلم وأوقات الحرب، ونشر المعلومات حول التهديدات الفضائية المحتملة، والتعاون الفضائي مع قوة الفضاء الأمريكية وتشغيل أقمار المراقبة العسكرية التي تخطط كوريا الجنوبية لنشرها في المستقبل.
في الحرب الحديثة، تكون البيئات العملياتية البرية والجوية والبحرية والفضائية شديدة الترابط فيما بينها. وتماشياً مع هذا الواقع، قامت الولايات المتحدة بالفعل بتطوير وتنفيذ عدد من الوثائق التوجيهية، وأصبحت إستراتيجية “الفضاء العسكري” الجديدة لأمريكا أحد عناصر هذا النظام المبني بعناية، وتركز بشكل كبير على تطوير التعاون العسكري الاستراتيجي للولايات المتحدة مع العديد من حلفائها العسكريين وشركائها. ومع الأخذ في الاعتبار حقيقة أنه في السنوات الأخيرة، بدأ ليس فقط النشاط السياسي والاقتصادي، ولكن أيضاً النشاط العسكري الاستراتيجي في التحول إلى بعض دول الشرق، لذا يرى مراقبون أنه علينا أن نتوقع جهوداً جديدة من واشنطن لجذب بعض دول هذه المنطقة إلى الجيش الأمريكي لتنفيذ خططها في الفضاء الخارجي.