رأيصحيفة البعث

عام جديد.. أم عام آخر؟؟!!

أحمد حسن

عام آخر يطوي أوراقه، والعالم، والمنطقة، وسورية كموقع جغرافي وسياسي مفصلي منها، وعلى رأسها، تمور بايقاعات متعددة لمشاريع مختلفة، كلها قديمة وإن كان بعضها يبدو جديداً، ففيما يسعى السوريون إلى حلّ أزمتهم بأسرع وأسهل السبل، تسعى واشنطن إلى تعقيدها عبر حزمة عقوبات جديدة – بعض “أشقائنا” كانوا الأسرع بالانصياع لها حتى قبل أن تطبّق رسمياً – مستندة على “حقائق” من نوع “سمعت”، و”قالوا لي”، وتستثني منها “مستعمرتها” في الشمال الشرقي، فيما يسعى “أردوغان” للاستفادة من الأزمة، وهي في طور الانكسار، كما استفاد منها وهي في طور الصعود، لكن ذلك، وللمفارقة، قلب الموازين التي سادت خلال الفترة الماضية، وجعل من سورية لاعباً أساسياً في الانتخابات الرئاسية التركية، بعد أن كانت أنقرة – أردوغان مرة جديدة – تبشّر بالهيمنة على المنطقة بأكملها.

والحال فإن العام الآفل كان عام تحوّل بامتياز، شهدنا فيه بداية اهتزاز، بل تقوّض، أركان النظام الدولي الذي نشأ بنتائج الحرب العالمية الثانية وتربعت فيه الولايات المتحدة منفردة، وتحديداً بعد سقوط جدار برلين، على قمة العالم، وأنتج هذا الاهتزاز اضطراباً غير مسبوق في العلاقات الدولية وموازين القوى وحسابات الدول، ولأن الأمر لم يستقر بعد على نظام جديد فإن الدلائل تؤكد أن العام القادم سيكون خطيراً على مستوى العالم بأسره.

بهذا المعنى، يبدو أن سورية تتهيأ، كسواها، لعام صعب قد تكون فيه مصنعاً لأحداث واصطفافات جديدة، بعضها جيد وبعضها سيء، لكنها في كل الأحوال ستضع قدماً راسخة في طريق الخروج من كونها، كما تبدو للوهلة الأولى – وكموقع جغرافي بحت – مجرد أرض “رمل وموت” يجب الخروج منها فوراً، بحسب ترامب في نسخته الأصلية، إلى مكان صالح ترغب واشنطن – بايدن في نسخته الترامبية المحدثة – بإعادة تكرار الاختبار الميداني لفكرة “فرض سياسات عالمية غير مُكلفة، وإحداث صراعات متعددة في العالم”، وتتحوّل، بالتالي، صورة “التهاوش” على “الصيدة”، كما قال أحد كبار المشاركين العرب في صنع أزمتها، من العسكري والإرهابي إلى السياسي والاقتصادي فقط لتحقيق ذات النتيجة.

وإذا كان ذلك مفهوماً في عالم السياسة، وقد اعتدنا على تقلباتها، فإن ما يعنينا هو أوراق المواجهة لهذا المشروع. والأوراق السورية كثيرة وليست نادرة، كما يظن البعض، وإن كانت دمشق لا “تلعبها” كلها – كما هي عادتها – إلا في وقتها المناسب؛ لذلك فإنها، وهي تمسك بالورقة التركية باردة في يدها رغم “الاستماتة” الأردوغانية لتسخينها، بدأت بتظهير بعض الأوراق الساخنة في الشمال الشرقي ذاته الذي تطمح واشنطن لجعله ورقتها العسكرية والاقتصادية ضد سورية، فقد بدأ أبناؤه بإحراق هذه الورقة بوجه واشنطن ذاتها، وبهدف جعل تكلفة السياسات أكبر من مردودها.

أما على صعيد الداخل السوري، فالأولوية ستكون، حكماً، لسبل مواجهة الحرب الاقتصادية الشرسة التي تشنها واشنطن بورقة العقوبات الجائرة واللاشرعية – دون أن نتجاهل حقيقة أزمة الغذاء العالمية المستجدة والشاملة – وأحد أهم أهدافها “تجويع” المواطن ودق اسفين حاد بينه وبين دولته لاستخدام ذلك في سياسة “الإخضاع والاستتباع”. وإذا كنا لا نستطيع بالطبع – لا نحن ولا دول كبرى – تجريدها من هذه الأوراق، فإن واجبنا التخفيف، على الأقل، من انعكاساتها السلبية علينا. وإذا كانت الحكومة، بطبيعة الأمور، تتصدر الواجهة والمواجهة، إلا أن الأمر يتطلب انخراط المواطنين جميعاً في ذلك، فالمعركة، تخاض ضدهم وعليهم في الآن ذاته، لذلك تبدو مواجهتها فرض عين لا فرض كفاية، وكلّ في، ومن، موقعه وإلا سنكون، جميعاً مرة جديدة، ضحايا العام القادم وما بعده.