مسلحون بالأمل !!
بلال ديب:
غالباً ما ترددت خلال العام، الذي نعيش أيامه الأخيرة هذه الأيام، عبارات المقارنة بين ما مررنا به وما كنا عليه أثناء سنوات الحرب، وعلى لسان الجميع تقريباً، بمعنى أن ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والأزمات المتابعة لم نشهده في أيام المعارك العسكرية التي عمت سورية فيما مضى، وهذا صحيح نظرياً، ولكن من الناحية الفعلية فما كان يجري في تلك الأيام ما هو إلا مقدمات لما نحن فيه اليوم، فتدمير مقدرات الدولة والبنى التحتية، وتخريب المنشآت العامة، والاستيلاء على منابع النفط، وقطع الأشجار المثمرة والمعمرة، وتدمير الجسور، وتخريب الزراعة، لم يكن عبثياً، بل كان ممهداً لما نعيشه من شح ونقص في كل شيء.
وقد نكون اليوم بلا كهرباء، وبلا غاز، ونستخدم الأغطية للحصول على بعض الدفء، وربما لا نحظى بما يكفي، ولكن السؤال يبقى وجيهاً ومنطقياً: ما نفع هذا التوصيف؟ وهل هذا سلوك صحيح؟ وهل علينا أن نستسلم للقبح الذي يسرى حولنا في كل التفاصيل؟
كثيرون سيقولون: لم يعد هناك أمل، أو عمّ تتحدثون ونحن نفتقد للكثير من مقومات الحياة، لكن علينا أن ندرك أن ما يجري الآن هو غياب مؤقت لما نملك من بعض المقومات، وأن هناك الكثير من الميزات والنقاط المضيئة في حياتنا، فلا تزال سورية دولة غنية بمواردها الطبيعية، ففيها النفط والغاز والأراضي الزراعية الخصبة والمياه والمناخ الملائم لممارسة كل الأنشطة المنتجة، وغيرها الكثير.. وما يمنع الاستثمار الأمثل لذلك هو الاحتلال الزائل لا محالة.
نحن نملك طاقة شبابية هائلة رغم ما تسرب منها بفعل الحرب أو الضغوط اللاحقة إلى الخارج، غير أننا ما زلنا نراهن على الجيل القادم المحمل بكل هذا الألم، الراغب في تجاوز المحنة والنهوض والتعويض عما فات.. نملك العقول القادرة على انتاج الفكر والثقافة واستحضار الصفحات المشرقة من تاريخنا، نملك الفن والأدب والأخلاق، نملك تراثاً مادياً وآخر لا مادياً يشهد له العالم بين الفينة والأخرى، نملك مبدعين في العلوم والآداب والثقافة، يكرمون داخل سورية وخارجها، نملك العمال الذين يصلون الليل بالنهار رغم الظروف القاسية، نملك إرادة التحرير والهمة والقدرة على الثبات لاستعادة الحقوق المسلوبة، لأننا أصحاب الأرض وأصحاب الحق.
ما زال في أراضينا من يزرع ويعتني ويحصد، ما زال بيننا من يجتهد ليحدّث ويرمم ويبني ويطور، الأبنية تنهض وإن ببطء، والأشجار تنمو وإن بقلة، والشباب يكبرون على الأمل ويسعون بثلاث وظائف أو أكثر بساعات عمل طويلة لكي ينهضوا بعائلاتهم وذويهم.
كل هذا لدينا وأكثر، وهو ما يجعلنا نتسلح بالأمل بأن ما بعد كل هذا القبح سيكون إشراقاً ونهضة واستعادة لوجهنا الجميل المليء بالنضارة والحيوية لنستعيد إنسانيتتا، ونحيا بسلام وأمان، كما كنا، وكما هو جدير لنا.