ثقافةصحيفة البعث

طلال سليم يعتمد على العدد والترميز في “أوراق تسأل أغصانها”

ملده شويكاني

“في المعهد العالي للفنون المسرحية

يتعلمون التمثيل

هؤلاء النجوم

لو حدقوا قليلاً في المرآة

لاكتشفوا بأن التاجر والشيخ والسياسي

هم جهابذة هذا الفنّ”

.. ذلك مقطع من قصيدة جمر الغربة، إحدى قصائد مجموعة الشاعر طلال سليم المعنوّنة بـ”أوراق تسأل أغصانها” الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب– وزارة الثقافة. وقد وشى العنوان بمضمون المجموعة التي تضمنت بالتورية أسئلة غير مباشرة عبْر رسائل رمزية نثرت على سطور شعر التفعيلة وتعدد القوافي، وفق تناقضات ومفارقات بسخرية تقترب من الكوميديا السوداء تطال الجشع والفساد، وفي قصائد أخرى عبّر بفنية مباشرة عن تبعات الحرب الإرهابية التي عاشتها سورية على حياة المواطنين، فكان الخبز حاضراً في قصيدة “أمي والرغيف”:

“وماذا تستطيع أن تفعل أمي

أكثر من ذلك؟

دائماً

تلبس العجين المرتجف

قمصان الأرغفة”.

كما ورد الخبز في قصيدة “تراتيل رقم5”:

“التنور

آخر صديق للخبز”

واستحضر الخبز أيضاً في قصائد أخرى، منها قصيدة لو تستطيع التي يدعو فيها إلى المحبة ونبذ الكراهية والعنف والقتل:

“قاسمني رغيفي

واترك هناك

صرة سلاحك”

قذائف على الأوبرا

واقترب الشاعر بمباشرة من تفاصيل الحرب الإرهابية التي حملت الموت والدمار، متوقفاً في قصيدة “يوميات الحرب” عند أحد الأحداث المفجعة، قذائف الغدر التي وجهت إلى دار الأوبرا:

“في دار الأوبرا

سقطت قذيفة

كنا نستمع لعازفة الكمان

ارتعشت الأوتار

وأصابع العازفة

سقطت

بتلات ورد”.

أسرة دمّرها الإرهابيون

ولم يكن توثيق مجريات الحرب كشاعر فقط، إذ ارتبطت الحرب بسيرته الذاتية وحياته الأسرية بعد أن استشهدت زوجته عواطف وابنته الكبرى لجين ذات الأربعة عشر عاماً أثناء هجوم العصابات الإرهابية على ريف اللاذقية، وتعرض أولاده الثلاثة للخطف (حنين وجوى ووجد)، إلى أن عادوا إثر عملية تبادل مع العصابات الإرهابية، فخصّ زوجته وابنته الشهيدتين بقصيدة “عواطف ولجين”:

“يا حبيبة

في ازدحام رصاص لا علم لي به

لا تتركينا

نهجئ القنابل

ونعد الحفر

لمن تركت حبقات البيت

وصغار القطا”.

مرايا وحروف

كما حفلت المجموعة بومضات كثيرة من الوجدانيات والإنسانيات مثل قصيدة “عيد العمال”، “ومرايا الذاكرة” و”غربة” و”أقدار” و”أمية الممحاة”:

“تدهس الحروف

بكامل حوافرها

ولا تنتبه

أنها هي أيضاً

تمضي

إلى هباء”.

زهرة البنفسج

وللحب مكان فنثر عبقه على صفحات المجموعة، كما في قصيدة “رسائل الكرز”، الاسم الذي اقتبسه من الفيلم السينمائي السوري “رسائل الكرز” بطولة سلاف فواخرجي:

“لأنني عطار

أستعير من ضحكتك

الياسمين والبنفسج”.

وقد تكررت زهرة البنفسج في أغلب القصائد فاستخدمها بحالات تبوح بحزن عميق كما في قصيدة “شرفات”:

“نسي في الحرب بنفسجته

كان يزورها كل إجازة

ماتت الساقية بضربة سد

والبنفسج غمره الدمع

وعلى جدران قريته

علّقت نعوات الورد”.

وبحالات أخرى عبّرت عن حنين واشتياق، فتركت لونها الهادئ الشفاف كستارة ترخي ظلالها على معاني قصائده، منها قصيدة “وصايا للأشياء في حضرة البنفسج”:

“في حضرة البنفسج

كل ذلك حدث حقاً

عندما أردت عناق

الأبدية”.

إجابات خفية

وفي المجموعة أيضاً تساؤلات تتمنى أن تجد إجابات لدى كل من تسول له نفسه الانجرار إلى طرق الشر، كما في قصيدة “بيدر الأسئلة رقم 3”:

“هل تستطيع

أن تغافل المنحنى

وتعلن استقامتك؟”.

التقسيم بالعدد 

السمة البارزة في المجموعة اعتماد طلال سليم على العدد من حيث الشكل، إذ استخدمه وسيلة للربط بين المقاطع الشعرية المتصلة المنفصلة بالأرقام، ليظهر التتابع بالمضمون وفق محور واحد تتفرع عنه أفكار متعددة من الموضوع ذاته، فاستخدم العدد في قصائده الطويلة التي وصلت إلى الرقم عشرين، في قصيدة “مطر يتلو غيمة”، إذ كرر مفردة حصالة التي يقصد فيها حصالة الزمن لتنسحب إلى أمور كثيرة تدخل سلوكيات الحياة ودورة الطبيعة، مبتدئاً من القهوة التي نلجأ إليها في كل الأوقات والحالات النفسية:

1

“الركوة حصّالة شجر البن

نستدين سوادها

عند كل ضيق

لنعلن الغنى”.

ليتابع عن العين التي هي حصّالة الدّمع، وعن الغيمة التي هي حصّالة المطر، وعن السماء حصّالة النجوم، والشجرة حصّالة أوراق، ليصل إلى الكاسيت حصّالة صوتك الجميل، وفي المقطع رقم 12 يخاطب الكهرباء ضمن الواقع المعاش.

“البطارية

حصّالة الكهرباء

تجدها في ليلك المهترئ

الحافي من النجوم والبهاء”.

كما استخدم العدد في القصائد القصيرة التي تتألف من مقطعين فقط، مثل قصيدة “ومضات”:

“هناك عند الجبل

شجرة حور

استوطنتها العصافير

يا للدهشة بما تفكر؟

تريد الطيران بأجنحتها

كلما جاء الحطاب”.

طلال سليم شاعر وقاص من اللاذقية، لديه أربع مجموعات شعرية: “لنجالس المطر” و”أحد عشر إصبعاً” و”حكايات مسمارية” و”شهوة الخريف”.