تحرّكات استراتيجية ضدّ “الناتو” الجديد
تقرير إخباري:
تتابع أمريكا خطواتها التصعيدية عبر إثارة وتحريك أدواتها في آسيا لاستفزاز الصين، وروسيا، وكوريا الديمقراطية، على اعتبار أنها تنظر لأي بلد نووي لا يجري في فلكها على أنه منافس وعدوّ، ويشكّل خطراً وشيكاً عليها وعلى أدواتها التابعة المرتهنة، وبعد جملةٍ من الاستفزازات قامت بها تلك الأدوات التي أصبحت تشكّل ما يشبه نسخة آسيوية لـ”الناتو”، حيث كان ذلك واضح المعالم سواء في أزمة تايوان أم من خلال تصريحات كوريا الجنوبية أم من خلال تغيير الاستراتيجية العسكرية اليابانية مؤخراً، التي اعتبرت أن الصين وروسيا يشكّلان خطراً عليها، إضافة إلى تبديل وضعها وسلاحها من الدفاع نحو الهجوم مع مضاعفة الميزانية العسكرية، ناهيك عن تشكيل الحلف الرباعي الذي ادّعى الغرب أنه رسالة باتت تهدّد الصين، فإننا نرى على المقلب الآخر أقطاب العالم الجديد تردّ بخطواتٍ أكثر قوة ورصانة، وتعمل جاهدةً على تعزيز التعاون الاستراتيجي فيما بينها لمواجهة الخطر الأمريكي أولاً، وتقويض العقوبات الغربية وإفراغها من مضمونها ثانياً.
فعلى الجبهة الكورية الديمقراطية، شاهدنا كيف أوعز الزعيم كيم جونغ أون لقواته بتعزيز إنتاج الأسلحة والتدريب على استخدام السلاح النووي، وأيضاً تكثيف إنتاج السلاح النووي التكتيكي، القادر على سحق مناطق محدّدة دون امتداد خطر الإشعاع إلى أماكن أخرى، وذلك بهدف الردّ على أي اعتداء على الأراضي الكورية الديمقراطية، كما تم تسليم القوات العسكرية راجماتٍ قادرة على ضرب صواريخ محمّلة برؤوس نووية تكتيكية قابلة للتطوير، وأكد الزعيم كيم أن قواته مستعدةٌ لأداء مهام ليست فقط دفاعية وقادرة على الردّ في الوقت المناسب، إضافة إلى إطلاق الجيش صاروخاً عابراً للقارات يمكنه الوصول إلى البر الأمريكي، وبالمجمل فإن تحرّكات كوريا الديمقراطية تسعى إلى توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنها عاجزة عن الحصول على كوريا الجنوبية مهما فعلت، ومن جهة أخرى إثبات قوة ومنعة بيونغ يانغ ووقوفها إلى جانب روسيا والصين فيما تتعرّضان له من ضغوط في أوكرانيا وتايوان، ولإجبار الغرب على كسر تلك العقوبات في ظل عجز الولايات المتحدة عن الوجود المباشر في المنطقة وعجز حلفائها القلقين على اقتصادهم عن الدخول في مواجهةٍ مباشرة ضدّ بيونغ يانغ.
كذلك عقدت موسكو وبكين قمّة لتعزيز التعاون بين الرئيسين فلاديمير بوتين وشي جين بينغ “عبر تقنية الفيديو”، حيث أكدا أهمية روسيا والصين في تحقيق الاستقرار العالمي، وأهمية التعاون وتعزيز الشراكة الاقتصادية والسياسية بينهما، حيث أصبح جلياً مدى ازدهار وتزايد التبادل بين البلدين مؤخراً، الذي كلّل على الجانب العسكري بالمناورات العسكرية البحرية، والدوريات الجوية المشتركة فوق بحر الصين واليابان لتأكيد قدرتهما على التصدّي للأخطار بشكل مشترك، وإثبات أن موقف الصين تجاه روسيا في عمليتها الخاصة في أوكرانيا هو اصطفاف وليس حياداً “كما حاول الغرب التسويق له”، والتأكيد أن مصالح روسيا في آسيا لا يمكن تهديدها.
وفي النهاية تصبّ تحرّكات الأقطاب الجديدة في تسريع وتيرة تشكّل العالم الجديد، الذي أدار ظهره لأمريكا والغرب، وأراد الانفتاح على بعضه لتحقيق التنمية في ظل سيادة القانون الدولي ووفق ميثاق الأمم المتحدة، وقيم العدالة والحرية والعلاقات السلمية.
بشار محي الدين المحمد