جمانة نعمان.. حالة استثنائية إنسانياً وإبداعياً
أمينة عباس
حسناً فعلتْ دار مدى الثقافية حين استضافت مؤخراً الأديبة جمانة نعمان، ولتعلن عن استئناف نشاطاتها في المركز الثقافي في أبو رمانة، خاصةً وأن نعمان من الشخصيات التي لم تركض لتكون تحت الأضواء، بل كانت دوماً تعمل بصمت وهدوء بعيداً عن الضجيج، وقد حضرتْ وحضر معها عالم الطفولة، سواء في ضحكتها أو قلبها الذي ما زال متعلقاً بتلك الطفلة التي كانت وما زالت تعيش عوالمها السحرية ضمن عائلة وفرت لها كل أسباب الحلم والطموح.
معجونة بحب الطفولة
وبيَّنت الإعلامية ريم محمود أن جمانة نعمان حالة استثنائية على الصعيد الإنساني والإبداعي، مشيرة إلى أنها تعرفها منذ سنوات عديدة عندما كانت مسؤولة عن مجلة “أسامة”، وكانت تتابع كل ما تكتبه للأطفال، فهي إنسانة معجونة بحب الطفولة ولا تشبه أحداً في ذلك، لأنها محافظة على هذه الطفولة في حياتها، وهي ما زالت تكتب قصصها بشفافية وبأسلوب عميق يلامس الطفل من خلال براعتها في ترجمة أي فكرة على الواقع من خلال قصة أو أغنية.
حياة مترفة فكرياً وإنسانياً
وبيّنت نعمان أن الأطفال كانوا القاسم المشترك في كل محطات مسيرتها الكتابية، ورأت أن التعامل الدائم معهم جعل الطفولة متيقظة في داخلها دائماً وتخرجها متى تريد، وهي التي خدمتها كثيراً في مسيرتها الكتابية وحياتها، فهي ما زالت تتعامل مع الآخرين كالأطفال، مشيرة إلى أنها عاشت طفولة غنية جداً بوجود جدتها التي ربتها بعد أن توفيت والدتها باكراً، وعاشت معها حياة مترفة فكرياً وإنسانياً، وتأثرت كثيراً بالأغاني التي كانت تغنيها لها عندما كانت تنام على ركبتيها لتسمع منها القصص التي تحلّق بها نحو عالم الخيال، مؤكدة أن هذا الحب والحياة النقية والمليئة بالحنان والمشاعر والعواطف أغنتها من جهة روحانية ومنحتها رصيداً ما زالت تنتح منه حتى الآن، منوهة إلى أن أول موضوع تعبير كتبته، ونال إعجاب المدرسين، في المرحلة الابتدائية، كان عن الريف والطبيعة. ووصلتْ للمرحلة الثانوية وكانت قد تمكنت كثيراً من أدواتها اللغوية، وهي التي كانت تواظب في المرحلة الإعدادية على إرسال مواد متعددة المواضيع لمجلة “الدنيا”، موضحة أنها كانت تُكَلَّف دائماً، في دار المعلمات، حيث درست، بكتابة الجمل القصيرة التي توضع على لوحات المعارض التي كانت تقام فيها، وهذا علَّمها الإيجاز وأهمية الوقت.
عالم الأطفال الساحر
وأكدت نعمان أن عالم الاطفال ساحر وموحٍ، وقد كانت متعتها كبيرة في تعليم الأطفال عندما عُيّنت معلمة ابتدائي، وهذا ساعدها كثيراً في الكتابة لهم، مشيرة إلى أنها نالت الجائزة الأولى في أول مشاركة لها في مسابقة أدب الأطفال في اتحاد الكتّاب العرب من خلال قصة “البحر يقرر الهجرة”، وقد لاقت قصصها القصيرة نجاحاً، وكان أبرزها “صيد الذئب حيَّاً”، و”الصبَّارة”، مشيرة إلى أنها أرادت خوض غمار الكتابة بلغة بصرية، فكتبت الفيلم الغنائي “عروس البحيرة” من إنتاج التلفزيون السوري في أوائل التسعينيات، وقد فاز بجائزتَي أفضل سيناريو وإخراج في مهرجان الوليد بن طلال للطفولة والأمومة في القاهرة.. كما كتبت سيناريوهات لمسلسلات عدة مثل “قمر لسماء البرتقال”، و”سيف من نجوم”، و”تنورة للعصفورة”، و”تلك التي”، و”بنات وحكايات”، و”توت سياج” الذي تم تصويره في عدة قرى سورية على مدى حلقات تمثيلية وغنائية من ألحان د. غزوان زركلي.. تقول: “أردت الإضاءة على الريف السوري بتراثه وطبيعته وحرفه التقليدية.. إنه يشبه توت السياج اللذيذ، لا تراه إلا بعد أن تزيح عنه الشوك”.. أما أولى تجاربها في الكتابة للسينما فكانت في التسعينيات من خلال فيلم “أرسم حلمي” للمخرج باسل الخطيب، ويحكي عن طفل منهمك بالبحث عن حلمه من خلال الرسم، وقد اختير للمشاركة في مهرجان سينمائي بميونخ ولاقى صدى طيباً كقصة إنسانية من حضارة شرقية. وفي العام 2009، طرقت نعمان باب الكتابة التاريخية في مسلسل “نسَّاجة ماري” وتدور أحداثه بين يمحاض الاسم القديم لحلب ومملكة ماري، مشيرة إلى أنها تميل إلى تقديم الأغاني في أعمالها لأنها تلون أي عمل وتستهوي الطفل. كما توقفت نعمان مطولا عند تجربتها في الكتابة الموسيقية مع الموسيقي والمايسترو رعد خلف والتي أثمرت عن 5 أعمال حققت نجاحات كثيرة بفضله.
رسائل إلى جدتي التي لا تعرف القراءة
وكان آخر عمل للكاتبة جمانة نعمان كتاب “رسائل إلى جدتي التي لا تعرف القراءة”، وهو عبارة عن مجموعة شعرية تتحدث فيها عن جدتها التي منحتها كل الحب وكانت تعيش معها في قرية درغامو التي تقع على سفح جبل، فكانت عيناها مفتوحتان على سهل ممتد ينتهي عند البحر، مشيرة إلى أنها وبقايا الهنود الحمر آخر الأجيال الرومانسيين التي تكتب للجدة، وهي تفعل ذلك قبل أن تجف عواطفها كما حدث لهذا الكوكب المتحجر وقاسي القلب، مبينة أنها ما زالت تذكر ما علّمتها إياه الجدة، وكانت شعاراً لها في مسيرتها:”علّمتْني أن طريقاً يبدأ من أعماقك سيوصلك إلى الطريق حتماً، وما سواه باطل”.. موضحة أن جدتها فجعت بأخيها الوحيد، ومن ثم بابنتها والدة جمانة، فكانت تغنّي وتهدهد لها وهي في حضنها، وقد كان صوتها – برأي نعمان – أجمل ما سمعتْه في حياتها.