خياران لاثالث لهما لإيصال الدعم لمستحقيه!!
علي عبود
لا ندري أسباب إصرار الكثيرين على تناول موضوع الدعم من منظارين فقط: الأول إيصال الدعم لمستحقيه، والثاني تنفيذ آلية ترشيد تتيح للحكومة توفير مليارات الليرات من كتلة الدعم التي تصل إلى غير مستحقيها!
بما أن المقدمات الخاطئة تقودنا إلى نتائج خاطئة، فمن المنطقي أن نهدر وقتنا وإمكاناتنا بتفاصيل لن تؤدي مهما أبدعنا في التنظير أو الثرثرة إلى تحسين القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية!
السؤال المحوري في هذا السياق: لماذا لاتستثني الحكومة العاملين بأجر من الدعم، أي عدم تشميلهم بشعار “إيصال الدعم لمستحقيه”؟
حسب آخر إحصائية رسمية فإن إجمالي عدد العاملين بأجر في سورية يبلغ 3.7 ملايين، والحكومة ملزمة بموجب المادة 40 من الدستور أن تمنح للعامل أجراً لايقل عن الحد الأدني لمتغيرات الوضع المعيشي، وهذا يعني أن الحكومة لاتخالف الدستور فقط، وإنما تقوم بتخفيض أجر العاملين في كل مرة ترفع أسعار منتجاتها وخدماتها من السلع الأساسية!
والملفت أن ما من حكومة ولا حتى التنظيم العمالي عمل لتنفيذ هذه المادة الدستورية.. فلماذا؟
نعم، المطلوب منح العاملين أجراً مناسباً لتكاليف متغيرات الحياة وليس بدعم خلبي بالكاد يغطي نسبة 1% من ارتفاع الأسعار والخدمات في القطاعين العام والخاص!
الأصل والأساس أن العاملين بأجر هم المكوّن الأساسي للطبقة الوسطى، وقد قامت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2008 بتخفيض القوة الشرائية لهذه الطبقة بتعديلها لأسعار الصرف المرة تلو المرة، والمطلوب لتصحيح الهوة بين الأسعار والقوة الشرائية منح العاملين ما يوازي راتب 2010 مع الزيادات والترفيعات الدورية!
وما يزعمه البعض من أنه ليس بمقدور الحكومة أن تحقق العدالة في الأجور، هراء بهراء، فالحكومة بالأساس تقوم بتعديل أسعار منتجاتها وخدماتها مع كل تعديل لسعر الصرف، وتوافق على تعديل أسعار منتجات القطاع الخاص أيضاً، فلماذا استثنت منذ عام 2011، ولا تزال تستتثني حتى الآن، العاملين من تعديل أجورهم وفق سعر الصرف المعتمد في الموازنة العام للدولة؟
بعد منح العاملين أجراً حسب الدستور يؤمّن الحد الأدنى من متغيرات الحياة المعيشية، يمكن للحكومة عندها التركيز على شعار “إيصال الدعم لمستحقيه” أي لمن ليس لديه مصدر دخل دائم، ويُفضّل أن يكون الدعم لمشاريع أسروية أي صغيرة ومتوسطة، أي دعم يزيد الدخل والإنتاج!
إذا استثنينا مادة الخبز فإن الدعم مجرد هراء، فهو يقتصر على 50 ليتر مازوت و3 أسطوانات غاز وثلاث دفعات هزيلة من السكر والأرز سنويا!
بل إن من يرى بأن كتلة الدعم البالغة 5 تريليونات مهولة، فهي في الواقع هزيلة جداً لن تتجاوز حصة المستحق للدعم منها سوى 30 ألف ليرة شهريا!!
وما يؤكد هزالة كتلة الدعم إن حصة العامل بأجر، وهو المستحق الأكبر للدعم في حال تم تخصيصها بكاملها للعاملين بالكاد تبلغ 1.35 مليون ليرة سنويا أي 113 ألف ليرة شهرياً، ما يعني أن الحد الأدنى للأجر سيرتفع إلى 200 ألف ليرة فقط وبسعر الصرف المعتمد في الموازنة (3015 ليرة)، فهو يساوي 66.33 دولارا مقابل حد أدنى للأجور لا يقل عن 200 دولار في 1985!
المشكلة الفعلية ليست في كتلة الدعم الهزيلة، وإنما بإشغالنا بتفاصيل ومقترحات، آخرها الدعم النقدي، لن تؤدي إلى أي تحسن بأحوال ملايين العاملين بأجر!
الخلاصة.. نعيد ونكرر لا يوجد سوى حلين لا ثالث لهما لتحسين الأوضاع المعيشية، إما تصحيح الأجور إلى مستوى القوة الشرائية لما كانت عليه حتى عام 2011 وهو حل نص عليه الدستور، أو منح الـ 4 ملايين أسرة الحاملة للبطاقة الذكية سلة غذائية تحتوي على متطلباتها الأساسية شهرياً أو شحن البطاقات بمبلغ نقدي يتيح شراء مواد السلة بأسعار لاتشفط أكثر من 30% من دخلها، وأي خيارات أخرى باستثناء دعم حقيقي للمشاريع المتناهية الصغر يبقى هراء بهراء!!